دورة الاستشراق
تقديم
الدكتور مازن مطبقاني
مركز المدينة المنورة لدراسات الاستشراق
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة دورة مكثفة في الاستشراق
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فعندما يبدأ الكاتب بكتابة مقدمته لا بد أن يكون قد أعد بعض الأفكار ليكتبها ولكني في هذه المقدمة قررت أن أكتب آخر فكرة وردت في خاطري وهذه الفكرة هي أن هذه الدورة قد عقدت آخر مرة قبل أربعة أعوام أو خمسة ولا بد أن المادة التي أعددتها قد أصبح بعضها قديماً ، أما الفكرة الثانية التي راودتني وهي أنني عشت في جدة ثلاث عشرة سنة بدأتها باحثاً عن وظيفة لشاب عاد من أمريكا بلا شهادة ولا يحمل إلاّ الثانوية العامة ويزعم أنه يعرف اللغة الإنجليزية، وفي جدة شاء الله أن أحصل على الوظيفة في الخطوط السعودية وأتيحت لي الفرصة للدراسة الجامعية منتسباً لقسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية. وواصلت دراستي الجامعية حتى حصلت على البكالوريوس والماجستير في التاريخ من جامعة الملك عبد العزيز.
ثم انتقلت إلى المدينة المنورة للحصول على الدكتوراه في مجال الاستشراق ولأكون قريباً من والدي وقد يسّر الله لي الأمور مع بعض الشدة واللأواء، وأعانني الله عز وجل على الصمود حتى حصلت على أول درجة دكتوراه يمنحها القسم عام 1414هـ.
تذكرت وأنا أبدأ كتابة هذه المقدمة أنني أمضيت اثني عشر عاماً من حياتي في العمل في الخطوط السعودية وكنت أحاول أن أتعلم الكتابة والقراءة وحصلت على الشهادات العلمية ولكني لو بقيت في الخطوط السعودية لما كتبت ما كتبت ولما حاضرت ما حاضرت ولما حضرت من المؤتمرات العلمية ما حضرت. فأحمد الله على توفيقه وعلى بركة سكنى المدينة المنورة والعمل فيها.
هذه الدورة تأتي في وقت تشتد موجة النقاش حول قضية العولمة وقد تصارع الناس حولها واحتدم الجدال بينهم فمن قائل إن العولمة جاءت لتنهي دور الدول الإقليمية وتحارب الهويات المختلفة وإن الدول لم تعد تملك قرارها كما كانت في السابق فهناك صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية وهناك منظمات الأمم المتحدة وهناك الشركات المتعددة الجنسيات التي تصنع كل شيء من عود الثقاب حتى الطائرة والصاروخ
ويحتد النقاش حول العولمة وكل يوم يأتي بجديد فقد قرأت هذا اليوم (7ربيع الآخر 1421هـ) لمسؤول يمني كبير ينادي فيها بما أسماه الأقلمة مقابل العولمة. فيا قوم لماذا الاختلاف حول مصطلح صنعه الآخرون وأرادوا لنا أن تضيع أوقاتنا في الحديث عنه والبحث عن مغزاه. وهل الأمر حقيقي بأن تعريف العولمة أمر صعب وأن فهمها يحتاج إلى بحث علمي عميق ودقيق؟
لقد حضرت مؤتمراً في هولندا بعنوان (المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين) وكان أحد أهم محاور المؤتمر (الإسلام والعولمة) وكان الحديث هو الحديث عن الإسلام السياسي والحركات الإسلامية وموقف هذه الحركات من التحديث الأوروبي ومن الحضارة الغربية وموقف الحركات الإسلامية من الديموقراطية ومن المرأة ومن الأقليات. وكأن الأمر ليس واضحاً لدى الذين يعرفون الإسلام. وأضرب مثالاً بأن الحديث عن حقوق الأقليات ينسون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطى أهل الكتاب أو أهل الذمة عهد الله وعهده وأن من آذى ذمياً فقد خان الأمانة. وكان من آخر وصايا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفاه الله فيه بأهل الذمة وكان من القضايا التي تناولتها خطبة حجة الوداع أهل الذمة. ولدينا عهد عمر رضي الله عنه لأهل الذمة فهل يعقل بعد ألف وأربعمائة سنة يأتي من يتساءل عن حقوق الأقليات في العالم الإسلامي.
إن العالم اليوم تضيع فيه حقوق الأكثريات (إن صح هذا التعبير) وليس الأقليات فلماذا التباكي على حقوق الأقليات في العالم الإسلامي وموقف الحركات الإسلامية منها وها هي الأقليات الإسلامية تضطهد في البوسنة وفي كشمير وفي كوسوفا وفي الفلبين وفي بورما وفي الهند وغيرها، فماذا صنع العالم لوقف المجازر ضد المسلمين؟
ونعود الآن إلى هذه الدورة فإن الغرب سعى منذ مئات السنين إلى الغزو الفكري وبذل من الجهود ما يتعجب المرء كيف يبقى للإسلام باقية في العالم ولكننا نؤمن بقول الله عز وجل عن إنفاق الكفار أموالهم في محاربة المسلمين (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة)، وقول الله عز وجل (لن يضروكم إلاّ أذى). وقول الله عز وجل عن كيد الشيطان (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرها من خذلها) وقوله عليه الصلاة والسلام (الخير فيّ وفي أمتي إلى أن تقوم الساعة)
نعم بذل الغرب ماله وجهده وفكره ليخرج المسلمين من دينهم ويجعلهم أتباعاً أذلة له وقد استطاع أن يصل إلى عدد من المسلمين وسعى إلى أن تكون السلطة والرأي والتوجيه بيد هؤلاء حتى إن وسائل الإعلام العربية الفضائية لا تكف عن استضافة أمثال هؤلاء كالسعداوي والمرنيسي ونصر حامد أبو زيد ومحمد سعيد العشماوي وكأن العالم الإسلام خلا من المفكرين الإسلاميين الذين يمكن أن يقدموا الإسلام للعالم. ولكن هذه القنوات لا تريد ذلك وإلاّ لما أنشئت، والعتب ليس على هذه القنوات ولكن على العلماء المسلمين وقادة الرأي الذين يتأخرون عن المشاركة فيها وتعلم لعبة الإعلام.
وفي الوقت الذي كانت إذاعة لندن تتحدث عن أحد كتب محمد سعيد العشماوي أفردت مجلة تصدر في لندن أربعة أو خمسة صفحات للحوار معه بعد أن قدم الصحفي الذي أجرى الحوار آيات التبجيل والتقدير وأضفى على الضيف صفات العظمة والأهمية.
إن هذه الدورة تقدم بعض المعلومات السريعة عن الاستشراق ولكن المواجهة بيننا وبين الغرب تحتاج إلى الجهود الكبيرة المستعينة بالله سبحانه وتعالى وتحتاج إلى الإيمان بأن لهذا الدين العظيم رسالة يبج على أتباعه أن يبلغوها إلى العالم أجمع. وقد أكد القرآن الكريم على الرسول الكريم في أمر البلاغ فكيف نحن وهو الذي يؤيده الوحي وقد أُعد لهذه المهمة العظيمة.
وفي الختام أدعوكم لتعلم لغة الكمبيوتر وزيارة مركز المدينة لدراسة الاستشراق وعنوانه على الشبكة هو: www.medinacenter.org والآن هو www.madinacenter.com
أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم جميعاً وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وكتبه
مازن بن صلاح مطبقاني المدينة المنورة في 7ربيع الآخر 1421هـ
مقدمة الدورة الثانية والتعريف بالدورة
الحمد لله حمداً كثيراً مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذه هي الدورة الثانية التي تدعو إليها اللجنة التعليمية والدعوية بهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية بالمدينة المنورة، فقد عقدت الدورة الأولى قبل سنتين وحضرها أكثر من ثلاثين دارسا من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. ونحمد الله عز وجل أن الدورة لقيت قبولاً حسنا لدى من حضرها رغم أن الاستعداد لم يكن كما ينبغي لانشغالي وقتها بالانتهاء من بحث الدكتوراه. وأرجو أن تكون هذه الدورة أحسن حالاً من حيث الإعداد والتقديم.
فماذا تطمع أن تقدم هذه الدورة في أسبوع يمر سريعاً سوى إثارة الانتباه إلى هذا النوع المعرفي والتأكيد على أهميته. ولا أطمع في أكثر من أن أفتح شهيتكم -إن صح التعبير-وأحفز هممكم لأخذ هذا العلم مأخذ الجد فتواصلوا بعد هذا الأسبوع الاهتمام به ودراسته، ولعلها تكون فرصة ليتقدم بعضكم للدراسات العليا في قسم الاستشراق بكلية الدعوة (جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية)، فكم نحن بحاجة إلى من يدخل هذا المجال وهو على علم بلغة أجنبية أو أكثر، وأن يجعل مقارعة الاستشراق ديدنه وهمه الأول.
واهتمامنا بالاستشراق ينطلق من هدي القرآن الكريم في التحذير من الكفار وعقائدهم ومكرهم، وكم من آيات كريمة تحدثت عمّا يكنه الكفار للمؤمنين. {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} وقوله عز وجل (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ). وقد تناول القرآن الكريم عقائد الكفار على مختلف أنواعها بالتوضيح والتفنيد. وقد ظهر من الصحابة الكرام من اهتم بمثل هذه الأمور وقد ورد في الحديث الشريف الأحاديث التي رواها حذيفة بن اليمان رضي الله عنه التي يقول فيها (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.)
وهذا ما حدا بالسلف الصالح أن يتخصص فئة منهم في دراسة الفرق المنحرفة، وتأليف المؤلفات في الرد عليها فهذا ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والنحل والبغدادي في كتابه الفرق والغزالي في فضائح الباطنية وابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم والغزالي أيضا في الرد على المنطقيين وغيرها من الكتب المهمة في هذا الباب حتى إن أبا حامد الغزالي بحث عن ترجمة للإنجيل باللغة العربية ليرد عليها فلم يجد. وكتب العلماء المسلمون في الرد على الجهمية والماتريدية والأشعرية وغيرها كما ردوا على الخوارج وناظروهم، وللغزالي قولة مهمة في هذا الباب أن من يريد أن يرد على أهل ملة أو نحلة فعليه أن يعرف هذا الملة مثل أهلها أو أفضل وعندئذ ينطلق للرد عليهم.
وبعد أن مر العالم الإسلامي بقرون من الانحدار والتراجع، وقويت شوكة الغرب النصراني أو الغرب الملحد العلماني ظهرت فرق جديدة واتجاهات فكرية ومذاهب، فكان لابد أن ينبري أبناء هذه الأمة أو علماؤها الغيورون على الإسلام للرد عليها وتفنيدها. وإن كان من المهم أن نعرف كيف رد أسلافنا العظام على العقائد المنحرفة، فما ينبغي الإغراق في العصر الحاضر في البحث في هذه الفرق بل ينبغي أن نبحث في الفرق التي تواجهنا، والتي تولت منابر الرأي والتوجيه في عالمنا العربي الإسلامي المعاصر.
هذا وسيكون جدول موضوعات الدورة في هذا الأسبوع كما يأتي:
اليوم الأول:1-التعريف بالاستشراق وأهدافه
2-مجالات الاستشراق
اليوم الثاني: 1-الاستشراق والعلوم الشرعية
القرآن الكريم والعقيدة
الحديث الشريف
الفقه
اليوم الثالث: 1-الاستشراق والسيرة
2-الاستشراق والتاريخ الإسلامي.
اليوم الرابع: مراكز الدراسات الاستشراقية أو المدارس الاستشراقية.
اليوم الخامس: الاستشراق والقضايا المعاصرة
وسيكون منهج هذه الدورة تقديم موجز لموضوع المحاضرة في سطور قليلة لا تغني عن الرجوع الى المصادر والمراجع الخاصة بكل موضوع، ولكنها خلاصة موجزة سريعة ترجع إليها كنقطة انطلاق.
ولا شك أن نجاح الدورة يتوقف إلى حد كبير على تفاعل المشاركين فيها مع مقدّم الدورة بالأسئلة والاستفسارات والنقاش. وأرجو من الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا ما يعلمنا، وأن يتقبل منّا هذا العمل وأن يجعله في موازين حسناتنا.
مقدمة دورة الاستشراق الرابعة
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فيسعدني أن أرحب بكم في دورة الاستشراق الرابعة التي تعقد في رحاب هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية في المدينة المنورة وتحت إشراف اللجنة التعليمية فيها.
هذه الدورة المكثفة في مجال الاستشراق ما هي إلاّ مقدمة عامة ولمحات سريعة لمجال علمي في أوروبا منذ عدة قرون واستغرق جهود عشرات الألوف من الباحثين والعلماء، ومازال الغرب يهتم بدراسة العالم العربي والإسلامي من خلال البرامج الدراسية والندوات والمؤتمرات والدوريات وتقارير المخابرات ووسائل الإنتاج الفكري الأخرى في مئات من الجامعات ومراكز البحوث والمعاهد العلمية.
وأود أن أنبه إلى أننا يجب ألّا نتوقف عند الاهتمام بما يقولونه عنّا وما يكتبون، بل يجب أن ننتقل إلى دراسة الغرب لأن المستشرق أو الباحث الغربي في الدراسات العربية الإسلامية ينطلق من خلفية عقدية وفكرية وثقافية معينة هي التي تحدد رؤاه واتجاهاته في دراسته للإسلام والمسلمين.
ولذلك فإن فهم الاستشراق يتطلب فيما يتطلب التعمق في معرفة الغرب ليس من أجل المواجهة الفكرية والعقدية والسياسية وإنما أيضاً من أجل أن نبادر نحن إلى اتخاذ الخطوات العملية في نشر الإسلام عملاً بقوله تعالى{قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقوله تعالى{ ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} وقوله تعالى{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} وعملاً بالحديث الشريف:( نضّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فبلغها إلى من لم يسمعها فربّ مبلَّغ أوعى من سامع)
والحضارة الغربية رغم ما تبدو عليه ظاهراً من قوة ومنعة لكنها تمر في مراحل التراجع والانهيار، ونحن أمة الشهادة والأمة الوسط فعلينا أن نتحمل مسؤوليتنا في أن ننقل رسالة الإسلام إلى العالم في الوقت الذي نسعى إلى اتخاذ الإسلام منهجاً لنا في جميع شؤون حياتنا.
ولعل مما يميز هذه الدورة أن هذه المادة سوف يتم توزيعها قبل انعقاد الدورة بوقت قصير إن شاء الله لتتمكنوا من معرفة الموضوعات التي تطرحها وتكون لكم مشاركاتكم في الأسئلة والنقاش، فمثل هذه الدورات تعتمد إلى حد كبير على حيوية المشاركين ونشاطهم مما سيدفع مقدم الدورة للاجتهاد في الإجابة عن التساؤلات، والله الموفق، والحمد لله رب العالمين
أولا: مجالات الدراسات الاستشراقية
ليس من المبالغة القول بأن المستشرقين لم يدعوا جانباً معرفياً لدى المسلمين لم يقوموا بدراسته والكتابة فيه. ويؤكد هذا الإنتاج الضخم للمستشرقين منذ بداية اهتمامهم المنظم بالإسلام. ولو راجعنا الإصدارات الببليوغرافية لإنتاج المستشرقين لتبين لنا ضخامة الجهود التي يبذلونها في دراسة الإسلام والمسلمين. ولا يقتصر إنتاج المستشرقين على الكتب فلديهم المئات من الدوريات، والندوات والمؤتمرات.
القرآن الكريم
وفي هذه العجالة نقدم استعراضا سريعا لبعض مجالات الاستشراق؛ فقد بدأ الاستشراق بالعلوم الشرعية التي تعد أساساً لدراسة الإسلام والحضارة الإسلامية. فقد بدأ المستشرقون في إصدار ترجمات لمعاني القرآن الكريم. وقد قدم الدكتور عباس ارحيلة مقالة نشرت في ملحق التراث بجريدة ” المدينة المنورة” حول الترجمات اللاتينية منذ بداية القرن الحادي عشر الميلادي. وتوالى ظهور الترجمات إلى اللغات الأوروبية المختلفة كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية وغيرها. ولم يكتف المترجمون بترجمة النص القرآني بل أضافوا أيضا مقدمات أو فصولاً تحدثوا فيها عن القرآن الكريم ومن المقدمات المشهورة مقدمة المستشرق الإنجليزي سالSALE، وقد أساء فيها للقرآن الكرم أيما إساءة. ولعل من أحدث الترجمات صدوراً ترجمة المستشرق الفرنسي جاك بيرك Jacques Berque، وقامت الدكتورة زينب عبد العزيز بالتعليق عليها وإيضاح بعض ما فيها من أخطاء وتشويه متعمد.
العقيدة الإسلامية:
ونالت العقيدة الإسلامية والفرق اهتماماً خاصاً، ومن الأمثلة على ذلك ما كتبه مونتجومري وات بعنوان:” الجبر والاختيار في الإسلام المبكر “. وقد كان هذا البحث هو عنوان رسالته لنيل درجة الدكتوراه. ويمكننا أن نجد في مواد ” الموسوعة الإسلامية” مواد كثيرة تتعلق بالعقيدة. وسيناقش في قسم الاستشراق قريبا إن شاء الله رسالة دكتوراه حول الأخطاء العقدية في دائرة المعارف الإسلامية للزميل حميد الناصر. كما اهتم عدد من المستشرقين بالفرق في التاريخ الإسلامي، ومن هؤلاء لويس ماسنيون Louis Massingion والمستشرق برنارد لويس. فقد اهتم الأول بالحلاج المتصوف المنحرف الذي أطلق عليه (شهيد الإسلام) وأنفق حياته في تحقيق كتاباته ونشرها. أما الثاني فقد كتب حول الإسماعيلية والحشاشين وغيرهم من الفرق المنحرفة. ومن المستشرقين الذين اهتموا بالتصوف المستشرق الإنجليزي آربريARBERY حيث كان ينصح طلابه في مرحلتي الماجستير والدكتوراه بدراسة قضايا تتعلق بالتصوف.
الحديث الشريف والسنة:
وكان للحديث مكان بارز في دراسات المستشرقين باعتباره المصدر الثاني للتشريع لدى المسلمين؛ فبحثوا في تدوين الحديث وسنده ومصطلح علم الحديث. وبرز من المستشرقين في هذا المجال المستشرق المجري اليهودي جولدزيهرIgnaz Goldzieher الذي أطلق عليه الشيخ الدكتور مصطفى السباعي في كتابه القيم السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي “شيخ المستشرقين”. ومن المستشرقين الذين اهتموا بالحديث المستشرق روبسون James Robson، وقد قام الدكتور فتح محمد أبو الفتح البيانوني بإعداد رسالة دكتوراه حول كتابات هذا المستشرق في الحديث. وقد يقوم أحد مبتعثي قسم الاستشراق في بريطانيا بدراسة مادة الحديث والسنة في دائرة المعارف الإسلامية(الاستشراقية)، وهو الأخ طلال ملّوش. والحقيقة إنه كتب عن جولدزيهر كذلك
الفقه الإسلامي
وللمستشرقين دراساتهم في الفقه الإسلامي من ناحية أحكام الشريعة الإسلامية ومصادرها وتطور الدراسات الفقهية عند المسلمين. ودراسة الفقه تعطي المستشرقين الفرصة لفهم أعمق للمجتمعات الإسلامية قديماً وحديثاً. فهم يدرسون الأحكام الإسلامية في العبادات والمعاملات في التشريعات الاجتماعية، وفي الفكر السياسي. وقد حاول المستشرقون من خلال هذه الدراسات التأثير في حياة الأمة الإسلامية بالزعم بعدم أصالة الفقه الإسلامي وأنه مأخوذ من التشريعات الرومانية والفارسية والهندية وغيرها. ثم زعموا تطور التشريعات الإسلامية ليصلوا من ذلك الى أن يستمر المسلمون في تطوير التشريعات ليأخذوا من التشريعات الأوروبية الحديثة. ولا شك أن الاستشراق قد حقق نجاحاً في هذا المجال حيث أخذت كثير من الدول الإسلامية بالتشريعات والقوانين الأوروبية فهذه دولة تحكم بالقانون الفرنسي، وتلك بالإنجليزي، وثالثة بالسويسري ورابعة بالإيطالي…الخ. ومن أبرز المستشرقين الذين كتبوا في الفقه المستشرق جوزف شاخت Joseph Schacht والمستشرق الانجليزي كولسون Coulson.
اللغة العربية وآدابها:
ومن ضمن اهتمامات المستشرقين أيضا دراسة اللغة العربية وآدابها، وبخاصة فقه اللغة الذي كان المدخل لكثير من المستشرقين للكتابة في مجالات كثيرة حيث يبدأ المستشرق مهتماً باللغة العربية وينطلق للكتابة في التاريخ والاجتماع. ومن الأمثلة على ذلك المستشرق هاملتون جب Hamilton Gibb وكذلك المستشرق ماسنيون والمستشرق سيلفستر دو ساسيSilvester De Sacy الذي أسس “مدرسة اللغات الشرقية الحية” في باريس عام 1795 وكانت “قبلة” المستشرقين في ذلك الزمن.
ومن خلال اهتمام المستشرقين باللغة العربية وآدابها نادى بعضهم بالاهتمام باللهجات المحلية وما يسمى بالفلكلور حتى إنهم أقنعوا كثيراُ من الطلاب العرب والمسلمين لإعداد رسائل الماجستير والدكتوراه حول اللهجات المحلية والفلكلور. ودعا بعض المستشرقين أيضا الى العامية ووضع قواعد خاصة بها بحجة صعوبة اللغة الفصحى أو أنها قديمة أو كلاسيكية غير صالحة في الوقت الحاضر. بل إن بعض المستشرقين نادوا بكتابة اللغة العربية بالأحرف اللاتينية أيضاً.
ومن اهتمام المستشرقين باللغة العربية وآدابها أن جعلوا من بعض المنحرفين فكرياً رموزاً في الأدب العربي المعاصر اخترعوا لهم من الألقاب مثل (عميد الأدب العربي) و(أستاذ الجيل) وغير ذلك. وقد تسلم بعض هؤلاء مناصب حساسة مثل وزارات التعليم في العالم الإسلامي ليبثوا انحرافاتهم ويفرضوها على الناشئة.
الدراسات الإقليمية:
لم يتوقف اهتمام المستشرقين عند هذه العلوم فقد تطورت الدراسات الاستشراقية بظهور ما يسمى بدراسة المناطق أو دراسة الأقاليم. ودراسة المناطق أو الأقاليم تتطلب من الباحث الغربي أن يكون متخصصاً في منطقة معينة دون سواها؛ يتناولها من جميع الجوانب: التاريخية والاجتماعية والسياسية، والاقتصادية، والثقافية. ولما ازدادت كمية المعلومات والمعارف زيادة كبيرة لجأوا الى التخصص أكثر فأكثر فأصبح بعضهم مختصاً بالشؤون السياسية او الاقتصادية أو الثقافية فقط لمنطقة معينة. ولئن كان المستشرق في السابق يزعم لنفسه الفهم في علوم مختلفة فإن المستشرق المعاصر (وإن كانت تسمية مستشرق قد ألغيت عام 1973 في آخر مؤتمر عام لهم) يتخصص أولا في مجال علمي معين كعلم الاجتماع أو التاريخ أو الأنثروبولوجي أو السياسة او الاقتصاد ثم ينطلق لتطبيق تخصصه على بلد عربي أو إسلامي معين، ويلاحظ اهمال هؤلاء المختصون معرفة لغات الشعوب التي يدرسونها.
وقد بدأت الدراسات الإقليمية في العصر الحاضر في الولايات المتحدة الأمريكية ثم انتقلت الى الجامعات الأوروبية، وهذا ما صرح به تقرير اللجنة الحكومية البريطانية (لجنة هايتر) سنة 1961 حيث زارت عشر جامعات أمريكية وجامعتين كنديتين وأوصت في تقريرها بالاهتمام بالدراسات الإقليمية. وقد أخذت بذلك جامعة لندن وغيرها من الجامعات البريطانية.
الصحوة الإسلامية “الأصولية”
ومنذ أكثر من عشر سنوات وبالتحديد منذ ” الثورة الإيرانية” ظهر اهتمام جديد أو ازداد هذا الاهتمام؛ وهو ما يعرف بدراسة الصحوة الإسلامية أو الحركات الإسلامية. وقد أطلق عليها في الأوساط الاستشراقية ب: التطرف الإسلامي، والأصولية، والحركات الإسلامية المسلحة. وقد أخذ هذا الموضوع حيزاً كبيراً من الاهتمام على المستوى الأكاديمي. ويقول الدكتور احمد عبد الحميد غراب في كتابه القيم رؤية إسلامية للاستشراق إن الجامعات الغربية تحاول -وتنجح أحيانا-بتوجيه بعض الشباب العربي المسلم بدراسة هذه الحركات ليكونوا بمنزلة العيون على بلادهم، لأنهم أقدر على الحصول على المعلومات عن هذه الحركات. وقد نالت هذه الحركات اهتماماً واسعا في وسائل الإعلام الغربية، وحاول هذا الإعلام تقديم صورة سيئة للإسلام والمسلمين من خلال التركيز على نماذج معينة من الصحوة. وقد يحتج بعض المستشرقين أن الإعلام الغربي لا يمثل الدراسات الأكاديمية، ولكن الحقيقة أن هناك اتصال مباشر ووثيق بين المجالين، وإن كان ما يقال في الإعلام لا يعتد به في الدراسات الجادة.
قد لا تكون هذه كل المجالات التي كتب فيها المستشرقون، ولكنها إجمالا أبرز هذه المجالات، وسوف نذكر خلال هذا الأسبوع أمثلة توضح هذه الاهتمامات بإذن الله سبحانه وتعالى.
ثانياً: الاستشراق والعلوم الإسلامية
أوجزت لكم فيما سبق أبرز المجالات التي اهتمت بها الدراسات الاستشراقية، وفي هذه الوريقات بعض التفصيل لهذه المجالات لأننا نتعرض فيما نقرأ أو نسمع لبعض هذه الشبهات والافتراءات. وقد لا تكون الردود شافية تماما لكني سأضيف قائمة مختارة بإذن الله في خاتمة كل موضوع للرجوع إليها لمن أراد الاستزادة، والله الموفق.
القرآن الكريم:
يعود اهتمام المستشرقين بالقرآن الكريم لأنه الكتاب المقدس عند المسلمين فهو حسب تعريف العلماء المسلمين (كتاب الله المعجز المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته.) ([1]) وقد حفظه الله عز وجل كما جاء في قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ([2]) فإذا ما نجحوا -بزعمهم -في هذه الناحية كان النجاح في غيرها أكثر سهولة. وسنتناول اهتمام المستشرقين بالقرآن الكريم من عدة نواحي:
أولاً” ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأوروبية
ثانيا: مصادر القرآن الكريم
ثالثاً: الوحي.
رابعا: جمع القرآن وترتيبه وكتابته.
خامساً: نقد النص القرآني
أولاً: ترجمة معاني القرآن الكريم
ظهرت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم في القرن الثاني عشر، وقد تمت بتوجيه من “بطرس المبجل” رئيس دير كلوني، وقام بها عالم إنجليزي هو روبرت الكيتوني Robert of Ketton وساعده ألماني اسمه هرمانوس وراهب إسباني مجهول. وقد تضمنت الترجمة شروحات وتعليقات وردود وملاحظات. وكان القصد من الترجمة ليس معرفة ما يقوله القرآن الكريم بقدر ما كان القصد منها تفنيد ما فيه-بزعمهم-والرد عليه وتنفير النصارى من الإسلام. ([3])
وظهرت ترجمات أخرى إلى اللاتينية من بينها ترجمة الألماني جوستاف فلوجيل Gustav Flugel وهو الذي وضع أول معجم لألفاظ القرآن الكريم. ([4])
وتوالى ظهور ترجمات لمعاني القرآن باللغات الأوروبية المعاصرة، فقد ترجمه إلى الألمانية شفيجر Schweigger سنة 1616 وترجمه أيضا بويزن سنة 1773 وروكارت سنة 1888 ومن الترجمات إلى اللغة الألمانية الحديثة ترجمة رودي بارت، وقد سلك مسلك من سبقه من المستشرقين بإضافة تعليقاته وشروحاته في أثناء النص زاعما أن ذلك ضروري لشرح ما رآه غامضا أو شرح ما ذكر تلميحا وقد يفوت على القارئ فهمه. ([5])
وقام فرنسيون أيضا بترجمته إلى لغتهم ومن هؤلاء دورييهDeryer سنة 1647 وسافاري سنة 1783 وبلاشير Blachere سنة 1947. وظهرت ترجمة حديثة جدا للمستشرق جاك بيرك عام 1993. ([6])
أما الترجمات باللغة الانجليزية فمن أبرزها ترجمة روس Ross سنة 1648 وترجمة جورج سيل George Sale سنة 1743 والتي اشتهرت بمقدمتها التي تضمنت كثيراً من المفتريات على القرآن الكريم. وقام بترجمته مستشرق آخر هو بالمر Palmer سنة 1861. ومن الترجمات الحديثة ترجمة بكتل وترجمة آربري. وقد ترجمه مسلمون بالأسلوب الاستشراقي وهم أحمد علي وترجمة عبد الله يوسف -وهو قادياني-. ([7])
ثانياً: المستشرقون ومصادر القرآن الكريم.
لا تكاد شبهات المستشرقين قديماً أو حديثاً تخرج كثيراً عن الشبهات التي أثارها كفار قريش سوى أن المستشرقين قدموا شبهاتهم بطريقة أكثر تفصيلاً، وصبغوها بالصبغة العلمية الأكاديمية، وانطلت هذه الشبهات على الأوروبيين، وغيرهم من الشعوب التي تخضع للفكر الأوروبي، كما انطلت على بعض المسلمين الذين لم يتحصنوا بالعلوم الإسلامية، وبخاصة أولئك الذين تلقوا دراساتهم في المدارس الأجنبية، أو الذين خدعتهم الصبغة العلمية المفتعلة لدراسات المستشرقين.
وأول مفترياتهم هي أن القرآن مستمد من المصادر اليهودية والنصرانية، ويستدلون على ذلك بالقصص القرآني زاعمين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخذها عن التوراة. ويمكن الرد على هذه الفرية من ثلاثة جوانب: أولا: أن وحدة المصدر تجعل من الممكن وجود تشابه القصص القرآني مع القصص التوراتي. وثانيا: إن المقارنة بين القصص القرآني والقصص في الكتب السابقة توضح مدى التحريف الذي تعرضت له الكتب السابقة، فهم يرمون القرآن بالأخذ منهم حتى يداروا ما بكتبهم من تحريف. فالقصص المذكورة في الكتب السابقة يطغى عليها الجانب المادي والصنعة البشرية التي تهتم ببعض التفاصيل والجزئيات التي لا تظهر في القصص القرآني. كما إن كتابة هذه القصص في الكتب السابقة تحوي صوراً فاحشة لا يليق أن يكون مثلها في الكتب المقدسة. وقد قارن مالك بن نبي رحمه الله بين قصة يوسف عليه السلام كما جاءت في القرآن الكريم وكما جاءت في التوراة، وأعد لذلك جدولاً يوضح الفروق. ومن الأمثلة على الكتابة الفاحشة ما جاء في “نشيد الإنشاد ” فهذه لا تتعدى كونها قصة غرامية فاضحة. وعنوانها باللغة الإنجليزية (The Song of Songs). أما الأمر الثالث فهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يثبت له صلة باليهود أو النصارى في مكة قبل البعثة فكيف يتأتى له أن يأخذ منهم. فقد ورد في القرآن الكريم الرد على هذه المزاعم حين زعم كفار قريش أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلمه غلام نصراني وهو قوله تعالى (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين)
وزعموا أيضا أن الرسول صلى الله عيه وسلم اخذ عن الأحناف. وقد كان هؤلاء بضعة نفر من العرب أدركوا ما عليه قومهم من ضلال وانحراف فبحثوا عن الهداية في اليهودية والنصرانية فلم يجدوا فيهما ما يشفي الغليل، وبذلك فقد اطلعوا على الكتب المقدسة لدى الديانتين. ويكون الرد على هذه الشبهات أن الأحناف لم يكونوا يملكون تصوراً واضحا في العقيدة ليدعوا قومهم اليه، كما إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحتك بهم لدرجة التتلمذ عليهم والأخذ منهم، ولو صح هذا لدى قريش لاتخذته ذريعة لعدم اتباعه ولما سكتوا عنه.
ومن هؤلاء الأحناف ورقة بن نوفل ابن عم السيدة خديجة رضي الله عنها الذي صحبت السيدة خديجة رضي الله عنها الرسول صلى الله عليه وسلم إليه عندما جاءه الوحي وما أصابه من خوف شديد فطمأنه بأن هذا هو الوحي الذي كان ينزل على الأنبياء قبله. ولم تذكر المصادر كم عاش ورقة بعد هذه الحادثة، ولا يكفي مثل هذا اللقاء الذي وقع بعد نزول الوحي للتعلم والدراسة.
ويحلو للمستشرقين إيراد قصة لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالراهب بحيرى عندما كان طفلا مصاحبا لعمه في رحلته إلى الشام، وما كان من أمر الراهب من تحذير أبى طالب بأن يحرص على ابن أخيه فإنه سيكون له شأن ويذكرون لقاءً ثانياً (لم يثبت) عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم شابا مسافراً في تجارة لخديجة رضي الله عنها. فهل كان هذا اللقاءان مهما كان طولهما كافيين ليتعلم الرسول صلى الله عليه وسلم منه العقيدة الإسلامية والتشريعات. ومع ذلك فقد تأثر بهذه الشبهات بعض الباحثين من المسلمين مثل الدكتور حسن إبراهيم حسن في كتابه تاريخ الإسلام السياسي حيث زعم أن التشريعات التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة كانت مما تعلمه في رحلته إلى الشام.
وزعم المستشرقون أن الأعراف والتقاليد والممارسات الجاهلية عند العرب كانت من مصادر القرآن الكريم، ويحتجون لذلك بإبقاء الإسلام على بعض هذه التشريعات أو الممارسات التي كانت معروفة في أمور كالبيع والرهن والإجارة وفي النواحي الاجتماعية كالزواج وغيرها. ويمكن الرد على هذه الشبهة بان بعض هذه الأعمال كان لها أصل من شريعة إبراهيم عليه السلام كالطواف والحج والعمرة وغن شابه بعض التحريفات الجاهلية. ويقول ساسي سالم الحاج في الرد على هذه الشبهات:” ولا يضير الرسول (صلى الله عليه وسلم) الإبقاء على القوانين الصالحة سواء تلك المنظمة للعبادات أو المعاملات طالما كانت هذه الأحكام تتناسب وفلسفة التشريع الإسلامي لتحقيق مقاصده التي انزل من أجلها، ولا يمكن أن نستنتج من الإبقاء عليها تأثر الرسول (صلى الله عليه وسلم) باعتبارها أموراً استمدها من بيئته ولم يوح بها الله في محكم كتابه. ولو كان الأمر خلاف ذلك لأبقى على سائر القوانين بالأعراف الجاهلية…ولكن التشريع يراعي دوما مصالح الناس والعباد التي شرعت الأحكام لمصلحتهم فتبقى الأحكام الصالحة، وتبطل الأحكام الفاسدة لتعارضها ومصلحة الجماعة.”(الظاهرة الاستشراقية1/2 ص326-327)
ثالثاً: الوحي:
نالت مسألة الوحي اهتماما كبيرا من المستشرقين سواءً اليهود أو النصارى، وحاولوا بشتى الوسائل الطعن في الإسلام من خلال هذه الأمر بمحاولة تفسير الوحي الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بشتى التفسيرات المادية والعقلانية. ومن العجيب أن بعضهم يؤمن بالوحي الذي نزل على الأنبياء السابقين وعندما يتعلق الأمر بالرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم يكفرون.
والوحي من الأمور الاعتقادية ” التي لا تخضع لمناهج المستشرقين المتصفة بالمادية، ولا تعترف بالقضايا الغيبية. ولا نستطيع إثباتها عن طريق العقل والحواس وحدهما ولكن علينا الإيمان بها.” ولذلك كان من أول صفات المؤمنين كما جاء في بداية سورة البقرة قوله تعالى {ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) وليس الحديث هنا عن إيماننا بالوحي أو بالصورة التي كان يجيء فيها للرسول صلى الله عليه وسلم فهذا مبسوط في مظانه من كتب العقيدة والحديث. ولكننا نريد أن ننقل بعض الأوصاف التي ألصقها المستشرقون بالوحي الذي نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن أبرز هذه الشبهات زعمهم أن الوحي يشبه الصرع الذي يصيب الإنسان، فكان النبي صلى الله عليه وسلم حين يجيئه الوحي يصاب به فيعتريه احتقان فغطيط فغثيان كما جاء في كتاب جوستاف لوبون حضارة العرب
وقد كتب مونتجومري وات يصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كان من الذين يتمتعون بما سمّاه ” الخيال الخلاق” وحاول الرجوع لعلم النفس لشرح هذا المصطلح بإرجاعه إلى اللاشعور أو الوعي الجمعي وغيره من المصطلحات الغامضة التي تبعده عن تفسير الوحي التفسير المعقول.
وكتب مكسيم رودنسون عن الوحي، واعتذر من البداية أن ما سيقوله سيؤذي قرّاءَه من المسلمين ولكنه رجل ملحد وليسمع المسلمون ما يقوله. وبعد أن استعرض ما جاء في كتابات المسلمين عن الوحي ثم ما قاله الأوروبيون كذلك ابتدع تفسيراً رآه جديداً وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان رجلا زاهداً في حياته كلها، وأن هذا الزهد والتسامي هو الذي قاده الى هذه الأفكار التي جاءته وقال بأنها هي الوحي. وهذا وصف رودنسون:” ومن خلال حياة الزهد الرافضة لكل ألوان الملذات والآخذة بأسباب التعبد والصلاة الطويلة والتبتل فأخذ يتراءى له الكشف المصحوب بالأصوات المسموعة وهذه المظاهر الصوتية والمرئية نجدها أيضا لدى المصابين بالأمراض العقلية كالهستيريا وانفصام الشخصية…”
والرد على هذه الافتراءات نذكر ما قاله محمد رشيد رضا بأن الذي يصاب بالصرع حقيقة يفقد وعيه فإذا أفاق لا يذكر من تلك الفترة شيئا، ولكن الوحي الذي كان يجيء نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم لا يذهب حتى يكون قد وعى وحفظ ما أوحي إليه به. ويضيف رشيد رضا بان المصاب بالصرع لا يمكن أن يأتي بدين ورسالة إلى العالم. ثم إن الوحي لم يكن دائما بالصورة التي تشبه الغيبوبة بل كان يأتي في الواقع كثيرا والرسول صلى الله عليه وسلم في يقظة تامة. ويلخص ساسي الحاج هذه القضية بقوله:” إن الصرع يعطل الإدراك الإنساني وينزل بالإنسان إلى مرتبة آلية يفقد أثناءها الشعور والحس. أما الوحي فهو سمو روحي اختص الله به أنبياءه ليلقي إليهم بحقائق الكون اليقينية العليا كي يبلغها للناس. وقد يصل العلم إلى إدراك بعض هذه الحقائق ومعرفة سننها وأسرارها بعد أجيال وقرون، وقد يظل بعضها لا يتناوله العلم، ومع ذلك فتبقى حقائق يقينية يهتدي بها المؤمنون الصادقون.”(الظاهرة الاستشراقية1/2 ص 360 عن محمد حسين هيكل حياة محمد ط5ص41)
رابعاً: ترتيب القرآن وجمعه وكتابته:
تناول المستشرقون هذه الموضوعات مشككين بجهود المسلمين في كتابة القرآن الكريم بمجرد نزول الوحي، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد اختص بعض المسلمين لكتابة الوحي في مكة ثم في المدينة المنورة. وشكك المستشرقون في جهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه والصحابة الكرام الذين ساعدوه في جمع القرآن بعد أن كثر القتل في القراء في حروب الردة. كما شككوا في عمل عثمان بن عفان رضي الله عنه في كتابة المصاحف.
أما ترتيب القرآن الكريم فقد زعم المستشرق الألماني تيودور نولدكه بأنه سيقدم ترتيبا جديداً لسور القرآن الكريم وآياته وفقا للنزول وللموضوعات، ولكن المعروف أن الترتيب الذي كتبت به المصاحف إنما كان من عند الله كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن جبريل جاءه في السنة الأخيرة فعارضه بالقرآن مرتين للتأكيد على ترتيب الآيات والسور.
خامساً: نقد النص:
ومن الموضوعات التي خاض فيها المستشرقون فيما يخص القرآن الكريم ما أطلقوا عليه نقد النص القرآني. وهذا الأمر ناتج عما أحدثه الغربيون بخصوص كتبهم المقدسة حيث أعملوا فيها نظريات نقد النص. وقد أدى هذا النقد إلى التشكيك في طريقة نقل هذه الكتب وروايتها، وكذلك في الحقائق التي وردت فيها. وإن كانت كتب النصارى واليهود قد تعرضت للتبديل والتحريف وأثبت نقد النص ذلك فهذا الأمر لا يمكن تطبيقه على القرآن الكريم لأنه في المقام الأول قد نقل إلينا بالتواتر القطعي الذي لم يتيسر لكتاب في العالم اهتمام ورعاية كما ناله القرآن الكريم.
ومع علمهم بفشل مثل هذه الممارسة مع القرآن الكريم إلا إنهم لم يتورعوا عن هذا العمل، وقد تأثر بعض المسلمين فظهر من يزعم أنه لابد من تطبيق نقد النص على القرآن الكريم ومن هؤلاء محمد أركون في الجامعات الفرنسية، وفضل الرحمن الذي يرأس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة أمريكية، ونصر حامد أبو زيد في مصر الذي يعمل حالياً أستاذاً زائراً في جامعة ليدن بهولندا بعد أن صدر ضده حكم التفريق بينه وبين زوجه بسبب ما كتبه من تجديف وافتراء على القرآن أو ما هو معلوم من الشرع بالضرورة. وخابوا وخسروا.
ثالثاً: الاستشراق والحديث
وصوّب المستشرقون سهامهم أو سهام بحوثهم ونقدهم تجاه السنّة النبوية المطهرة يطعنون فيها وفي حجيتها وفي جهود العلماء المسلمين من سلف هذه الأمة في حفظها وتدوينها. وربما وجد المستشرقون مجالاّ لهذا النقد لأن السنّة لم تحظ بالتدوين المبكر والكامل منذ بداية الدعوة الإسلامية كما حظي القرآن الكريم الذي نقل إلينا بالتواتر القطعي. ولكن هذا لا ينفي الحرص الشديد والعمل الكبير الذي قام بها علماء هذه الأمة للمحافظة على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد تولى كبر الطعن في السنة الشريفة بعض كبار المستشرقين من أمثال المستشرق اليهودي المجري اجناز جولدزيهر في كتابه دراسات إسلامية وغيره من الكتب. كما تناول السنة مستشرقون آخرون مثل المستشرق جوزيف شاخت والمستشرق جيمس روبسون.
تدوين السنّة:
من أبرز الطعون في هذا المجال أن اختار المستشرقون الوقوف إلى جانب الرأي القائل بأن السنة لم تلقى أي تدوين، واحتجوا لذلك بوجود بعض الأحاديث التي تسمح بكتابة الحديث بينما يعارض بعضها الكتابة. وقد وصل العلماء المسلمون إلى أن المنع عن الكتابة كان في أوائل الدعوة الإسلامية حتى لا تختلط السنة بالقرآن الكريم ، وأن السماح بالكتابة هو الأغلب وقد وجد من الصحابة الكرام رضي الله عنهم من قام بالكتابة ،ووجدت عدة صحف تحتوي على عدد كبير من الأحاديث منها (الصحيفة الصادقة).وبعد أن يتمكن المستشرقون من تقديم الطعن هذا وأن التدوين الرسمي والشامل لم يبدأ إلاّ بعد قرن تقريباً من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم يقدمون طعوناً أخرى وهي أن هذه المدة الطويلة كافية لتعرض الكثير من الأحاديث للضياع والنسيان ،فالذاكرة البشرية مهما كانت قوية فلا تستطيع أن تحتفظ بكل هذه المرويات هذه المدة الطويلة.
وأضاف المستشرقون سبباً آخر لفقدان الحديث أو وقوع الوضع فيه أو التزييف كما يقولون هو الصراعات السياسية بين فئات المجتمع بحيث لجأت بعض الفرق -وهم يزعمون أن كل الفرق فعلت هذا-إلى الوضع في الحديث. كما إن تطور الظروف الاجتماعية ودخول ثقافات أخرى إلى حياة المسلمين كالتأثر بالفرس والرومان والثقافة اليونانية والنصرانية واليهودية أدى إلى دخول كثير من الأفكار الدخيلة إلى الحديث النبوي الشريف.
وزعم المستشرقون أيضا أن الوضع في الحديث قد تأثر بتطور الحياة واحتياج المسلمين الى تشريعات تواجه هذه التطورات فلجأوا إلى الوضع، ويزعمون أن الحديث الشريف لم يكن له حجية كاملة في بداية الدولة الإسلامية حيث اكتفى المسلمون بالقرآن الكريم، ولكن هذه التطورات جعلتهم يلجؤون للحديث الشريف، فإن لم يجدوا رواية لحديث في المجال الذي يريدون قاموا بوضع الحديث.
وقد أضاف بعض المستشرقين أن الوضع يكون أحياناً لأهداف شخصية كما زعم مستشرق بخصوص حديث من مات دون ماله فهو شهيد، فزعم أن راوي الحديث كان رجلاً غنيا، فرأى من مصلحته وضع حديث بهذا الخصوص. والرد على هذا المستشرق يكون بان نقول له إن هذا الحديث رواه عدد من الرواة غير الراوي الذي تزعم أنه غني ووضعه لمصلحته، وثانياً إن الحكم على الحديث لا يكون فقط من خلال راوٍ واحد ولكن من خلال سلسة الإسناد كلها، وكذلك من خلال المتن. فما الخطأ في أن يدافع الإنسان عن ماله؟ أليس القتل دفاعاً عن النفس مما لا تؤاخذ عليه قوانينكم؟ فماذا يكون مسموحاً لكم الدفاع عن النفس ولا يكون من المباح أو أن يعد شهيداً من يدافع عن نفسه من المسلمين؟ وإذا كان الحديث في الصحيح فنحن المسلمين لا نناقشه مطلقاً لأننا مطمئنون للجهود التي بذلها علماؤنا في دراسة الحديث الشريف.
ويمكن الرد على مزاعم المستشرقين من ناحيتين: أولا بيان جهود العلماء المسلمين لحفظ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وثانيا بذكر بعض الدراسات الحديثة للرد على شبهات المستشرقين في العصر الحديث.
أما جهود علماء الحديث في المحافظة على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فمبسوطة في كتب علم الحديث، ولعلكم تعرفونها أفضل منّي. ويكفي أن نذكر أسماء العلوم التي وضعها علماء هذه الأمة الخاصة بالحديث الشريف ومنها: علم مصطلح الحديث، وعلم الرجال، وعلم الجرح والتعديل، وعلم مشكل الحديث، وأسباب ورود الحديث والناسخ والمنسوخ في الحديث الشريف وغيرها. فهذه العلوم بما تحويه مكتباتنا من مجلدات ضخمة فيها تدل دلالة واضحة على الجهود العجيبة التي بذلها المسلمون للمحافظة على الحديث الشريف.
ونوجز قليلاً بعض هذه الجهود، فقد بدأ الاهتمام بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ الخلافة الراشدة حيث روي أن الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما رفضا قَبول بعض الأحاديث إلاّ بشاهدين. ومن الأمثلة على ذلك أن أحد الصحابة حدّث عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحديث الاستئذان فعلاه ابن الخطاب بالدرة إن لم يأت بشاهدين على انه سمع هذا الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم. ولم يفعل عمر رضي الله عنه هذا تكذيباً للصحابي فكلهم عدول ولا يكذّب بعضهم بعضا، ولكنه يريد أن يوضح للأمة الحرص على الدقة في نقل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما مسألة الحفظ هذه المدة الطويلة فقد أوتي العرب ملكة الحفظ حيث كانوا يحفظون آلاف الأبيات من الشعر، ويحفظون الأنساب، ويحفظون أيام العرب وتواريخهم. وهذه الملكة تقوى مع الاستخدام والتدريب. ولمّا كانت العرب في الغالب أمة أمية فقد لجأوا إلى الحفظ. وقد أثبت التاريخ هذا الأمر في مجال الحديث بصفة خاصة وحتى يومنا هذا. فكم عدد النصارى الذين يحفظون كتابهم ” المقدس” في مقابل الأعداد الغفيرة من المسلمين الذين يحفظون القرآن الكريم وكتب الحديث النبوي الشريف.
أما في الماضي فقد كان عالم الحديث الذي ينال لقب ” حافظ” -وكانوا كُثراً-فكان يحفظ آلاف الأحاديث بأسانيدها. ولو رجعنا إلى الاختبارات التي دخلها بعض علماء الحديث في مسألة الحفظ لذهلنا من هذه القدرة العجيبة. فقد قرأ على الإمام البخاري رحمه الله تعالى مئة حديث مقلوبة الأسانيد فأعاد كل حديث الى سنده. وقد روي أن الإمام أحمد بن حنبل كان يجعل ابنه يحفظ الأحاديث الموضوعة أولاً ثم يقول له هذه موضوعة فابدأ الآن بحفظ الأحاديث الصحيحة.
وبالإضافة الى هذه القدرة العجيبة في الحفظ فثمة مسألة أخرى وهي تمسك المسلمين بدينهم وحبهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. والدليل على ذلك أن كثيراً من علماء الحديث أنفقوا أعمارهم في دراسة الحديث والرحلة في طلب الحديث، وقد اعترف بعض المستشرقين بهذه الجهود. وكيف لا يحرص المسلمون على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأصل الثاني من أصول الشريعة الإسلامية. والحديث هو حديث نبيهم وحبيبهم صلى الله عليه وسلم.
وأما مسألة تطور الحياة الاجتماعية في الدولة الإسلامية مما أدى الى الحاجة للحديث فبدأ المسلمون في البحث عن التشريعات في القرآن الكريم فإن لم يجدوا بحثوا عن الحديث فإن لم يجدوا حديثاً وضعوه فهذا والله منتهى السخف من المستشرقين، فقد كان الحديث موجوداً دائماً. والترتيب في البحث عن أدلة الأحكام إنما هو بترتيب أهمية هذه الأدلة. ولو لم يكن الحديث موجوداً لما عرفنا الحديث الذي يقول (عليكم بكتاب الله وسنتي، لا يزيغ عنهما إلاّ هالك.) وفي حديث آخر (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)
ومن افتراءات المستشرقين على الحديث الشريف زعمهم أن علماء الحديث اهتموا بالسند أكثر من اهتمامهم بمتن الحديث. وأضافوا أن من السهل على أي شخص أن يأتي بالسند الذي يرغب ويضيف له ما يشاء من كلام. وهذه افتراءات عجيبة وقد تأثر بهم أحمد أمين في كتابه فجر الإسلام وضحى الإسلام وكذلك محمود أبو رية في كتابه أضواء على السنة المحمدية.
ويقول ساسي سالم الحاج في الرد على هذه الفرية:” يبدو للباحث منذ الوهلة الأولى اهتمامهم بسند الحديث أكثر من اهتمامهم بمتنه، ولكن الحقيقة عكس ذلك، فهم عندما قسّموا الأحاديث الى صحيحة وحسنة فإنهم في الحقيقة تناولوا السند والمتن معاً أو السند دون المتن أو المتن دون السند… وعند حديث العلماء عن الحديث المعلل فإنهم لم ينفوا تعليل المتن، فقالوا: لا يطلق الحكم بصحة حديث ما لجواز أن يكون فيه علة في متنه، وقد جاءوا بشواهد كثيرة على ذلك.”(الظاهرة الاستشراقية 1/2، ص 603-604)
ومن العجيب أن هؤلاء المستشرقين الذين يزعمون التمسك بالمنهج العلمي والريادة فيه، وأننا لا بد أن نتعلم منهم قواعد المنهج العلمي الصارمة تجدهم أول من يخالف هذه القواعد، فمن هؤلاء من يبحث عن الأحاديث التي ضعفها علماء الحديث المسلمون فيجعلوها هي القاعدة التي يبينون عليها حكمهم بالوضع على معظم الحديث. فقد وجد منهم من يزعم أن الطبقات (طبقات الشافعية، طبقات الأحناف… الخ) أكثر صحة من الحديث النبوي الشريف لأنها ليس فيها صحيح وضعيف بينما توجد مثل هذه المصطلحات في الحديث. مع أن هذه المصطلحات في الحديث أدعى للثقة بالحديث من الثقة بالطبقات. كما أن بعض المستشرقين يلجؤون الى كتب الحديث مثل كنز العمال فيأخذوا منه أحاديث دون النظر في حكم علماء المسلمين ويزعمون أن الأحاديث كلها موضوعة.
رابعاً: المستشرقون والفقه
درس المستشرقون الفقه الإسلامي بهدف معرفة حياة المسلمين معرفة عميقة لأن الفقه يحكم حياة المسلم ويوجهها في أدق تفصيلاتها، وفي كل لحظة من حياته منذ الولادة أو حتى قبلها وإلى ما بعد موته. وقد قسّم الفقهاء متطلبات الحياة الى العبادات والمعاملات من اجل الدراسة فقط، ذلك أن حياة المسلم كلها عبادة لله عز وجل (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وقوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
ونظراً لأن الفقه أو الشريعة الإسلامية بهذا الاتساع فقد كثرت كتابات المستشرقين حول الشريعة، وقد تناولوها كل حسب تخصصه وخلفيته الثقافية والدينية. فعالِم الاجتماع اهتم بالجوانب الاجتماعية من الفقه لتشريعات الأسرة من زواج وطلاق وعلاقات الرجل بالمرأة (الحقوق والواجبات) وعلاقة الفرد بالمجتمع وعلاقة المجتمع بالفرد.
أما المتخصص في القانون فقد اختار الجانب القانوني من الفقه الإسلامي بينما يهتم المؤرخ بجوانب الجهاد أو الفكر السياسي والتشريعات الإسلامية في العلاقات الدولية. ومع هذا نجد بعض المستشرقين تناولوا أكثر من جانب من الفقه الإسلامي وبخاصة المستشرقين التقليديين من امثال مونتجومري وات وهاملتون جب وفون جرونباوم واجناز جولدزيهر وبرنارد لويس.
وقد ظهر باحثون مسلمون بحثوا في كتابات المستشرقين وأوضحوا ما فيها من الأخطاء المنجية وأخطاء التشويه المتعمد أو سوء الفهم. ومن هؤلاء الدكتور عبد الحميد متولي الذي أعد بحثا او أكثر يرد على بعض افتراءات المستشرقين ومنها بحثه المعنون: الشريعة الإسلامية وموقف علماء المستشرقين، وفيما يأتي أقدم أبرز النقاط التي ذكرها في هذا البحث.
لقد ركز الدكتور عبد الحميد على موقفين هامين من مواقف النقد أو الاتهام إزاء الشريعة الإسلامية وهما:
أولا: اتهام الشريعة الإسلامية بالجمود، أي عدم مراعاة مقتضيات ظروف البيئة أو (الصالح العام) أو” المصلحة”.
ثانيا: تأثر الشريعة الإسلامية بالقانون الروماني.
وقد أوضح الدكتور عبد الحميد بالأدلة المقنعة بعد الشريعة الإسلامية عن الجمود. وأكد أنها ابعد الشرائع عن الجمود وأكثرها مرونة وقابلية للملاءمة. وإن كان ثمة جمود أو نقص في المرونة فهو أمر يمكن أن يوصف به بعض العلماء المسلمين ويقول:” واتهام الشريعة بأخطاء فريق من رجالها، واتهام الدين بأخطاء فريق من رجاله، تلك سنّة عرفت منذ سنين عن علماء المستشرقين.
ويواصل الدكتور عبد الحميد في الرد مفصلاً على هاتين الفريتين موضحاً كيف أن القرآن الكريم جاءت آيات الأحكام فيه عامة أو بصورة كلية دون العناية بالجزئيات. وذكر بعض الآيات التي توضح أبرز ما يدعو الى المرونة ومنها قوله تعالى: (وما أرسلناك الاّ رحمة للعالمين) وقوله تعالى:(وما جعل عليكم في الدين من حرج)، وقوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). وبالإضافة الى هذا فإن تاريخ التشريع الإسلامي يوضح حقيقة المرونة العظيمة في التشريع الإسلامي. ولا شك أن ثمة بعض الثوابت التي لا يمكن أن يتجاوزها فقيه أو مسلم ،ولكن المتغيرات كثيرة.
أما بالنسبة للفرية الثانية بتأثر الفقه بالقانون الروماني فيرد عليها الدكتور عبد الحميد من عدة نواحي:
1-إن التشابه إذا وجد فليس برهانا على التأثر، وإنما دليل على أنه:” إنما يدل في كثير من الحالات على أن كلا المجتمعين اللذين يطبق فيهما هذان النظامان يشابه الآخر من حيث المستوى والمدنية.”
2-يزعم بعض المستشرقين أن التأثر قد حدث لأن المجتمع الروماني كان أكثر تطوراً ورقياً، ولا بد أن تتأثر الحضارة الأدنى. والرد على هذا أن الفقه الإسلامي “قد ترك أثراً واضحا حتى في القوانين الغربية المستمدة من القانون الروماني. “وثانياً كان المسلمون هم الأمة الغالبة وحسب قاعدة ابن خلدون بتأثير الغالب في المغلوب.
ثم أوضح الدكتور عبد الحميد متولي بعض مزايا الشريعة الإسلامية على القانون الروماني، ولخصها في أربع نقاط.
أولا: يفصل القانون الروماني بين القواعد القانونية والقواعد الأخلاقية بينما لا يوجد مثل هذا الفصل في الشريعة الإسلامية.
ثانيا: يتميز الفقهاء المسلمون على غيرهم من المتخصصين في القانون بأنهم يستخلصون الأحكام من مصادرها كما في علم أصول الفقه.
ثالثا: قامت الشريعة الإسلامية على العدالة بينما كان القانون الروماني استبداديا.
رابعا: تمتاز الشريعة الإسلامية بأنها قامت على أساس المساواة بين الأفراد أمام القانون.
ونختم هذه الفقرة بالتأكيد على أن الترجمة في مجال القانون وغيره لم تظهر في العالم الإسلامي إلا بعد قرون عديدة من ظهور الإسلام وكان الفقه الإسلامي قد وضعت أسسه ووضحت تفاصيله.
ومن مفتريات المستشرقين على الفقه الإسلامي إنكارهم مسألة القدوة في شؤون الحياة؛ ومن ذلك زعم المستشرق اليهودي ناداف سفران الأستاذ بجامعة هارفارد يزعم “أن حركة التاريخ المتقدمة الصاعدة الباحثة عن التمام والكمال -قد توقفت-لأن محمداً وضع المقياس الذي لا تتعداه حركة التاريخ، ومن أراد الكمال والتمام -من المسلمين-فلينظر صوب الماضي. والجواب على هذا يكون في أن زعمه بتوقف حركة التاريخ المتقدمة…. زعم باطل وأما وضع الرسول صلى الله عليه وسلم المقياس فما العيب والخطأ في ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت بهذا المقياس من عند نفسه إنما أتى به من الله سبحانه وتعالى.
ومن افتراءات المستشرقين ما قال به المستشرق مونتجومري وات بأن الشريعة الإسلامية صناعة بشريه خالصة مجردة من كل قيمة دينية، وزعم أن عقوبة الزنا هي الجلد ولكن الفقهاء المسلمين رأوا أن يجعلوها الرجم للزاني المحصن.
والحديث عن الفقه يطول ومن ذلك حديث المستشرقين عن الجهاد والقضايا الاجتماعية والاقتصادية مثل موضوع المرأة وحقوقها وواجباتها والزواج والزكاة والأوضاع المالية وغير ذلك.
خامساً: السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي في كتابات المستشرقين
يبدأ تاريخ الأمة الإسلامية بالسيرة النبوية الشريفة، فهي أول تطبيق عملي للدين الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً وسلوكاً. ولا بد للمسلمين أن يعتنوا بسيرة نبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم. وهم قد فعلوا ذلك فلم تكتب سيرة نبي مرسل ولا ملك ولا عظيم قوم كما كتبت سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فمعظم أحداثها تجدها في كتب الحديث الشريف الذي نال من عناية العلماء ما لم تعرفه أمة من الأمم قبل الأمة الإسلامية ولا بعدها. وبالإضافة الى ذلك فإن كتاب الله عز وجل قد أورد كثيراً من وقائع السيرة النبوية بالتفصيل وأضاف الى ذلك بعض اللمحات عن الحالة النفسية للرسول صلى الله عليه وسلم مما لا يمكن لأحد علمه الا سبحانه الذي يعلم السر وأخفى.
وتوالت الكتابات في السيرة النبوية الشريفة وتسابق العلماء لينالوا هذا الشرف. ولما بدأ النصارى الاهتمام بالإسلام كان من أول ما فعلوه بعد ترجمة معاني القرآن الكريم الكتابة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. فظهرت الكثير من الكتابات، وكانت في البداية غاية في الوقاحة وسوء الأدب مما نكف قلمنا عن الكتابة فيها. وقد جاء من المستشرقين المعاصرين من انتقد أسلافهم في ذلك؛ ومن هؤلاء المستشرق ريتشارد سوذرنRichard Southern في كتابه صورة الإسلام في العصور الوسطى وكذلك كتاب نورمان دانيال Norman Daniel الإسلام والغرب.
وقد تناولت كتابة المستشرقين سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من ثلاثة محاور:
أولا: شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه.
ثانيا: أحداث السيرة في العهد المكي والعهد المدني.
ثالثا: تفسير أحداث السيرة.
وفي هذه المحاور الثلاثة تعددت الأخطاء المنهجية في الكتابات الاستشراقية، وقد تناول كثير من العلماء المسلمين المعاصرين الكتابات الاستشراقية بالنقد والتفنيد. ويمكن إجمال الأخطاء الاستشراقية فيما يأتي: التشكيك في أحداث السيرة النبوية دونما دليل أو لمواقف سابقة فينطلق المستشرق بحثاً عن أي أثر من دليل ولو كان ضعيفاً أو موضوعاً ليؤيده مع عدم الاهتمام بما أثبته علماء الحديث المسلمون من أحداث. أما الخطأ الثاني فهو محاولة تفسير أحداث السيرة وفقا لأهوائهم أو لمواقف سلبية مسبقة. والخطأ الثالث النفي الكيفي لأحداث السيرة دونما دليل أو برهان
ولو تركنا جانباً الكتابات الاستشراقية التي ظهرت في العصور الوسطى(الأوروبية) فأن الكتابات التي صدرت حديثاً ليست بأفضل حال من السابقة وإن قلت نسبة الفحش والبذاءة في الكتابات المعاصرة. ولعلهم تيقنوا أن القارئ المعاصر لا يقبل مثل هذه الكتابات. وهذه الكتابات السيئة لا تنفي مطلقاً وجود كتابات تتسم بشيء من الاعتدال والإنصاف. وقد استطاع الباحثون المسلمون المعاصرون في ردودهم على المستشرقين الاستعانة بكتابات مستشرقين آخرين. ولكن مما يجب الحذر منه أن بعض المستشرقين -كما قال العلاّمة الندْوي-يذكر عشر محاسن حتى يقنعك باعتداله وإنصافه ثم يفتري فرية كبيرة على السيرة تنسبك كل ما ذكره من محاسن سابقة.
ومن الأسماء المشهورة في عالم الاستشراق جوستاف فيل الذي كتب (محمد وحياته) (1843) والمستشرق اليوس سبرنجر(1861) وتيودور نولدكه المستشرق الألماني الذي تخصص في دراسة القرآن الكريم فقد زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم” كانت تنتابه نوبات عنيفة من الانفعال جعلته يظن انه تحت تأثير إلهي ويظن أنه يتلقى وحيا.” (محمد عبد الله شرقاوي، الاستشراق ص 136) والمستشرق اليهودي صموئيل مرجليوت في كتابه محمد وظهور الاسلام والمستشرق وليام ميور والمستشرق ماكدونالد والمستشرق هاملتون جيب في كتابه:(المحمدية) الذي أعاد طبعه بعنوان الاسلام، والمستشرق مونتجومري وات في كتبه “محمد في مكة” و”محمد في المدينة” و”محمد رجل الدولة”. وفيليب حتّي اللبناني الذي انتقل الى الولايات المتحدة الأمريكية وكتب باللغة الانجليزية زاعما أن المسلمين كتبوا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كما يرغبون أن تظهر هذه السيرة وليس كما هي في الحقيقة والواقع. :”وخلعوا على مؤسس ديانتهم وباني مجدهم كثيراً من التبجيل والتعظيم، ووضعوا لذلك أحاديث ونحلوه أفعالاً ليس له.”(الشرقاوي، ص143)
ولابد من ذكر المستشرق البلجيكي المتعصب جداً هنري لامانس فقد أنفق حياته للطعن في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان حجة لغيره من المستشرقين في انهم يجعلوه هدفاً لنقدهم فيقولون: انظروا ما فعل لامانس نحن لم نقل مثله ولا ربعه … وقد كتب عنه المستشرق الفرنسي الشيوعي مكسيم رودنسون قائلا:” وقد كان هنري لامانس ممتلئا بالاحتقار الرهيب للإسلام ولمجده “الزائف” ولرسوله “الفاسق” “الداعر” ولعرب الصحراء الذين كانوا في تقديره جبناء متبجحين نهبة مخربين.”(الشرقاوي ص146-147)
التاريخ الإسلامي في نظر المستشرقين
وكما درس المستشرقون السيرة النبوية فقد كتبوا حول التاريخ الإسلامي في جميع عصوره حتى الوقت الحاضر. وقد خصوا عصر الخلافة الراشدة بكثير من افتراءاتهم لأنهم رأوا إذا كان طعنهم في السيرة غير كاف فهذه الفترة التي شهدت أفضل تطبيق للإسلام كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) كما شهدت هذه الفترة انتشار الفتوحات الإسلامية.
وقد تركزت كتابات بعضهم على الطعن في شخصيات هؤلاء الصحابة الكرام، وفي ظنهم أنهم إذا شككوا في هؤلاء الذين نقلوا الإسلام إلينا فإنهم بزعمهم يهدمون هذا الدين. وكانت أولى افتراءاتهم أن الوضع في الحديث الشريف قد بدأ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام:” من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).
وزعم بعض المستشرقين أنه ما أن لحق الرسول عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى حتى تآمر ثلاثة من الصحابة على اقتسام السلطة وتوارثها. وقد كتب هذا المستشرق توماس أرنولد المشهور عند كثير من المسلمين باعتداله في كتابه الخلافة ونسبه الى المستشرق الايطالي كإتياني ووصفه بأنه من أعظم المؤرخين المعاصرين(له) وشكك المستشرق برنارد لويس بصحة إسلام الأنصار وطمعهم في الخلافة.
وعندما تحدث هؤلاء المتعصبون عن الفتوحات الإسلامية حاولوا تفسيرها انطلاقا من تاريخهم الأوروبي ونظرتهم المادية للأمور. فقد كانت الفتوحات في نظرهم بحثاً عن الغنائم والمكاسب المادية. كما وصفها مستشرق آخر بأنها كانت آخر موجات الهجرة من جزيرة العرب التي عرفت مثل هذه الهجرات في السابق حينما تضيق مواردها.
ولا يكلف المستشرق نفسه البحث في حقيقة دوافع المسلمين في الفتوحات الإسلامية وهي نشر رسالة الإسلام الذي يدعو الى تحرير البشر من العبودية للإمبراطوريات السابقة بل من كل أنواع العبوديات، وفتح الطريق أمام دعوة الله عز وجل. وقد أثبت الفتوحات نفسها مدى بعد الغالبية العظمى من الجيش الإسلامي عن الطمع في الغنائم. وهذا جندي ينقل كنوز كسرى الى المدينة المنورة فيسلمها كما هي فيتعجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أمانته، فيقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “عففت فعفت الرعية، ولو رتعت لرتعوا” وكان جنود المسلمين ” رهباناً بالليل فرساناً بالنهار” كما وصفهم أحد جنود الأعداء.
وقد شكك المستشرقون في الجانب الإيماني الغيبي في الفتوحات فزعموا أن الدولتين الفارسية والرومانية كانتا على درجة كبيرة من الضعف وان جيش المسلمين كان يملك من القوة والعتاد ما يماثل جيوش هاتين الدولتين، بالإضافة الى معرفة العرب بالصحراء ودروبها. وكم هو جاهل هذا المستشرق الذي لم تقنعه كل الروايات التاريخية عن عدد جنود الجيشين الرومي والفارسي وقدرتهما العسكرية. أما المعرفة بالصحراء فما يقول في معركة القادسية في قلب فارس، أو معركة الجسر أو معركة اليرموك، فمن كان يعرف البلاد أكثر، وهل هذه الأنهار تجري في الصحاري؟
أما مراحل التاريخ الأخرى فقد كتب حولها المستشرقون كثيراً وقد اهتموا بالفرق الضالة المنحرفة فأكثروا من الكتابة عن الشيعة والإسماعيلية والحشاشين. وعد بعضهم المنافقين حزب المعارضة في دولة المدينة. ويتأسف أحدهم أنه لم يعثر على المصادر التي توضح له العبقرية السياسية والفكرية لزعيم فرقة الحشاشين، ويصفه بالبطل. كما كتبوا عن ثورة الزنج حتى ظهر من الحداثيين أتباع أدونيس من يربط نفسه بالقرامطة والزنج وغيرهم من رواد الفكر المنحرف في التاريخ الإسلامي.
لا شك أن التاريخ الإسلامي ليس كله صفحة بيضاء نقية، فهو تاريخ بشر يصيبون ويخطئون أما أن ينسب إليهم ما لم يفعلوه أو تلصق بهم تهمٌ باطلة أو تزيف نياتهم فيما عملوا فأمر لا يقبله العقل والمنطق، ولا تقبله الموضوعية التي يزعم المستشرقون أنهم روادها كما هم رواد البحث العلمي الموضوعي الذي يجب أن نتعلمه منهم.
سادساً: الاستشراق والقضايا المعاصرة
وفي عام 1973 عقد مؤتمر المستشرقين الدولي في باريس وليكون آخر مؤتمر دولي يحمل هذه التسمية، فقد اتفقوا فيه على إلغاء هذا الاسم لتصبح التسمية الجديدة مؤتمرات العلوم الإنسانية الخاصة بمناطق العالم الإسلامي. وأصبح المتخصصون في مجال الدراسات العربية الإسلامية يطلق عليهم ما يميزهم وفقا للمنطقة التي تخصصوا في دراستها أو في المجال العلمي الذي يدرسونه. ويمكن إرجاع إلغاء التسمية الى سببين محتملين؛ أحدهما أن كلمة استشراق أصبح لها حمولات سيئة، وقد كثرت الكتابات الإسلامية التي تنتقد الاستشراق. أما السبب الثاني فلعله أنهم لم يعودوا ينظرون الى العالم الإسلامي بصفته مصدراً للعلم والمعرفة كما دلّت التسمية في أصلها وفقاً للمعاجم الغربية، وكما ذكر ذلك الدكتور السيد الشاهد في بحثه المنشور في مجلة الاجتهاد (العدد 22، السنة السادسة، شتاء1414/1993، ص 191-211). .
ويمكن أن نضيف أن تسمية مستشرق لم تعد تنطبق على الباحثين في الدراسات العربية الإسلامية التي كثرت فروعها وتخصصاتها فقد كان الباحث الغربي سابقا الذي يطلق عليه مستشرق يدرس اللغة العربية والتاريخ الإسلامي ثم ينطلق ليدرس كلّ ما يخص العالم الإسلامي أما اليوم فإنهم يتخصصون في جزئيات دقيقة مما يخص العالم الإسلام يفي اللغة والدين والتاريخ والاقتصاد والسياسة والاجتماع والأدب وغير ذلك. ومن الأمثلة على ذلك أن يتخصص أحدهم في قضايا الحركات الإسلامية في بلد معين (الأصولية). أو يتخصص في مجتمع بلد معين وهكذا فاسم مستشرق لم يعد مناسباً. ومهما كان الأمر فإن هم اختاروا أن لا نسميهم مستشرقين فلهم ذلك ولكن ما يهمنا ان نعرف ما يقولونه عن الإسلام والمسلمين لأننا معنيون بتوضيح صورة ديننا أمام العالم لأننا مكلفون بنشر رسالته في العالم عملاً بقوله تعالى {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن}.
ولئن انتهى الاستشراق في شكله التقليدي القديم فإنه غير جلدته ليناسب المرحلة الجديدة التي تفتحت الأعين في العالم الإسلامي على الدراسات الاستشراقية. ومع استمرار الاهتمام بالقضايا الاستشراقية التقليدية كدراسة العلوم الإسلامية المختلفة، كالقرآن الكريم، والحديث الشريف، والفقه، والتاريخ الإسلامي واللغة العربة وآدابها فإن الموضوعات الجديدة التي أصبحت تحتل مساحة مهمة هي ما يمكن أن نطلق عليه العالم الإسلامي المعاصر، أو قضايا العالم الإسلامي المعاصرة.
ولعل أول القضايا المعاصرة الاستمرار في دراسة العقيدة الإسلامية، ومدى تمسك المسلمين بها؛ لأن العقيدة الإسلامية هي المحرك الأساس لحياة الأمة الإسلامية، وتعتمد قدرة الغرب على السيطرة على العالم الإسلامي على مدى قرب المسلمين من عقيدتهم أو بعدهم عنها. فكلما كان المسلمون أقوى عقيدة وإيماناً ضعفت فرص الغرب في الهيمنة والنفوذ. فالإسلام دين لا يقبل أن يكون تابعاً ولا خانعاً. فأول كلمة يتفوه بها من يريد الدخول فيه هي لا إله إلاّ الله محمد رسول الله مما يعني التخلص من كل أنواع العبوديات وإفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع. وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم التعلق بالمادة عبودية وذلك في الحديث الشريف (تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش) وليبين صلى الله عليه وسلم الصورة المقابلة جاء في الحديث (طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله، فإن كان في المقدمة كان في المقدمة وأن كان في الساقة كان في الساقة) أي لا يهمه موقعه من المعركة.
ويتعاون الاستشراق والتنصير على دراسة العقيدة الإسلامية، وإن كان الهدفان مختلفين ظاهراً لكنهما في النهاية ينزعان الى الهيمنة والسيطرة. فالتنصير يسعى الى إخراج المسلمين من عقيدتهم ليدخلوا النصرانية، ويكونوا أتباعاً لهم، وكذلك الاستشراق. فعندما يبتعد المسلمون عن عقيدتهم يدب فيهم الخلاف والتنازع الذي حذرهم الله عز وجل منه في قوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}
ومما يدعو الغربيين لدراسة العقيدة الإسلامية بروز تيار الصحوة الإسلامية وازدياد ظاهرة العودة الى الإسلام في أنحاء العالم الإسلامي، وكذلك إقبال أعداد متزايدة من النصارى على الدخول في دين الله. ومعرفة العقيدة الإسلامية يدل الغربيين على طريقة التعامل مع هذه الصحوة.
ومن القضايا المعاصرة الدراسات الغربية حول الأوضاع السياسية للعالم الإسلامي فقد بلغ عدد الدول الإسلامية اثنتين وخمسين دولة مما يجعل هذا الوضع قريباً مما شهده العالم الإسلامي إبّان ما كان يسمى بعهد ملوك الطوائف. وهذه الدول ينبغي في نظر الغرب أن تبقى متفرقة، وأن تتم دراستها وحدها أو وضعها في مجموعات لتسهيل دراستها والإلمام بكل شؤونها. ويلاحظ أن المؤسسة الإسلامية بمدينة ليستر البريطانية تصدر دورية مهمة تتابع ما يكتب في الغرب حول العالم الإسلامي فتفرد عنوانا خاصا بكل دولة.
وتشمل الدراسات السياسية نشأة هذه الدول وأنواع حكوماتها وسياساتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية، والعلاقات بين الحكومات وشعوبها. وتتضمن هذه الدراسات رصداً لأبرز الشخصيات السياسية والعلمية والإسلامية بصفة خاصة.
ويهتم الاستشراق المعاصر أيضا بالأوضاع الاقتصادية من حيث الثروات الطبيعية أو المعدنية التي توجد في العالم الإسلامي، وهذه الثروات التي يتطلع الغرب إلى أن يظل مهيمناً عليها تصنيعاً وتسويقا، ولا يبقى للبلاد الإسلامية إلا الاستهلاك وبعض المال الذي سرعان ما يضخ في الاقتصاد الأوروبي لأننا اقتنعنا أن الاستثمار عندهم يأتي بعائد كبير. وهم يفتعلون بين الحين والآخر هزات اقتصادية هنا وهناك لإضاعة هذه المكتسبات الوهمية.
وتركز الدراسات الاقتصادية على إبقاء الدول الإسلامية في حد الفقر بإغراقها بالديون التي بلغت أرقامها أرقاماً فلكية عدا عن الفوائد الربوية التي تعجز كثير من الدول عن سدادها فما بالك بأصل الدين.
الاستشراق ودراسات المجتمعات الإسلامية:
كتب الأستاذ السيد محسن باروم قبل مدة في ملحق (الأربعاء ) الأسبوعي الذي يصاحب جريدة ” المدينة المنورة ” عن تجربته في المنطقة الشرقية حيث انتدب من وزارة المعارف لدراسة أحوال العمال في شركات البترول- في عهد الملك فيصل رحمه الله تعالى- فوجد أن أحد المستشرقين – وهو المستشرق رينتز ويعاونه آخرون-من الذين يعملون في شركة أرامكو يقومون بدراسة للتاريخ الاجتماعي والسياسي والثقافي لمنطقة الخليج .فيدعو هذا المستشرق شيوخ القبائل ورؤسائها للإجابة عن بعض الأسئلة أو التحدث بما لديهم ، وكان المستشرق يمضي ساعات طويلة يستمع ويسجل في آلة التسجيل ما يقوله الشيخ أو الرئيس. ثم إذا خرج الشيخ استدعي أشخاص آخرون للتثبت من المعلومات وعقد مقارنات.
ويقول السيد باروم ما أصبر هذا المستشرق على سماع هذه الأحاديث ساعات طويلة ثم تفريغ التسجيلات ودراستها وتحليلها. والحقيقة لم يكن هذا المستشرق وحيداً بل كان يعمل مع مجموعة من المستشرقين ولصالح إحدى الجامعات الأمريكية وهي جامعة جون هوبكنز في بالتيمور بالولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أعد مستشرق بريطاني دراسة موسعة حول منطقة الخليج بلغت أربعة عشر مجلداً، ويحتوي على أدق التفاصيل عن هذه المنطقة من النواحي التاريخية والاجتماعية والسياسية واللغوية. وكانت بريطانيا لا تعين مسؤولاً في المنطقة حتى يدرس هذا الدليل وربما قدّم امتحانا في مواده. وهذا الدليل هو دليل لويمر ويضم قسمين أحدهما القسم التاريخي والثاني القسم الجغرافي، والقسم الجغرافي يضم الجغرافيا السياسية والاقتصادية والبشرية وغيرها.
ومن أبرز الموضوعات التي يتناولها المستشرقون في دراساتهم الاجتماعية موضوع المرأة ومكانتها في المجتمعات الإسلامية. فيقدمون أحياناً صورة واضحة لمكانة المرأة قد تحمل كثيراً من الحقيقة. ولكنهم يقدمون تفسيرات لبعض الظواهر بناءً على خلفيتهم الثقافية. ولكنهم لا يتوقفون عند حد المعرفة بل يريدون للمرأة المسلمة أن تتحول الى مسخ من المرأة الغربية. ويؤكد هذا الاحتفال الكبير الذي لقيه كل من كتب عن المرأة المسلمة من المسلمين انطلاقاً من وجهة النظر الغربية. ومن هؤلاء قاسم أمين في كتابه تحرير المرأة وكتابه المرأة الجديدة. وظهر في تونس كاتب آخر يشبه ما كتبه قاسم أمين هو الطاهر الحداد في كتابه: امرأتنا أمام الشريعة والمجتمع
وتتضمن الدراسات الاجتماعية تشجيع الفنون بأنواعها المختلفة من تمثيل ومسرح وتلفزيون وسينما. ويلاحظ أن هذه الطبقة (طبقة الفنانين والمطربين) أصبحت هي الطبقة العليا، وتنال من ساعات البث الإذاعي والتلفزيوني أضعاف ما تستحقه. ومن العجيب أن بعض هؤلاء يصبحون القدوة والأسوة لشبابنا وفتياتنا. وتتجاوز وسائل الإعلام الحد كثيراً حينما تترك الفرصة لهؤلاء لتبوأوا منابر الرأي فيفتون في القضايا الحساسة التي تهم المجتمعات الإسلامية.
ومما يساعد الغرب كثيراً على التعرف على حياتنا الاجتماعية الأعداد الكبيرة من الطلبة المبتعثين الذين يقدمون خلاصة جهدهم وعلمهم في رسائلهم الجامعية لنيل درجات الماجستير والدكتوراه. حيث يبحثون قضايا من المجتمعات الإسلامية لا يستطيع الغربيون الوصول الى المعلومات حولها.
دراسة الصحوة الإسلامية:
يتردد في الكتابات العلمية وكذلك في وسائل الإعلام وصف الصحوة الإسلامية ب (الأصولية). وهي تسمية خادعة لأن “الأصولية” حركة نصرانية بروتستانتية ظهرت في العشرين من القرن الميلادي الحالي تنادي بالعودة إلى النصوص” المقدسة” والالتزام بها حرفياً. وهي دعوة الى الجمود، كما إنها دعوة الى محاربة المدنية الحديثة. ويلاحظ أن لليهود حركة أصولية مماثلة تنادي بمحاربة المادية المعاصرة ووسائل المدنية وتقنياتها!!
وإطلاق مصطلح “أصولية” على الحركات الإسلامية إنما هو من قبيل حرب النعوت والألقاب الذي يعد من وسائل الحرب وقد استخدمه المشركون في حربهم للرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك استخدمه أعداء الأنبياء في كل زمن، فقد أطلق أعداء أحد الأنبياء على الذين اتبعوا نبيهم (أراذلنا) وأطلق على النبي صلى الله عليه وسلم (مجنون، كاهن، شاعر، ساحر الخ)
وهكذا فالحركة الإسلامية أو الصحوة الإسلامية لا يصح أن نطلق عليها أصولية بهذا المفهوم الغربي، فدعوة الحركة الإسلامية العودة الى تطبيق الإسلام تطبيقا سليما إنما هي دعوة الى الحركة والحياة. والدليل على أن المسلمين حينما طبقوا أصولهم كانوا هم أرقى أمة عرفها التاريخ ولن يعرف أمة أرقى من المسلمين. فحينما تمسك المسلمون بإسلامهم كانوا أمة العلم والحضارة. وقد كتب الملك البريطاني جورج الرابع الى الخليفة المسلم يقول له: لقد سمعنا ما تتمتع به بلادكم من رقي وحضارة، وأرجو أن يتنازل سيادتكم بتشريف ابني وبناتي بالدراسة في مدارسكم والنهل من علومكم. وذيّل خطابه بعبارة: خادمكم المطيع.
وقد بدأت دراسة الحركات الإسلامية منذ بداية القرن العشرين او أواخر القرن التاسع عشر، حينما بدأ المسلمون يستيقظون ليقفوا في وجه الاحتلال الأجنبي وكانت بداية الحركات الإسلامية الدعوة إلى التعليم بعد أن مارس عليهم الاحتلال الأجنبي أنواعاً من التجهيل. وازدادت قوة الحركات الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى حينما ظهرت دعوات الى إعطاء الشعوب حقها في تقرير المصير وبخاصة في مبادئ الرئيس الأمريكي الأربعة عشر. وما كان للاحتلال أن يخرج من البلاد الإسلامية لولا أن قيض الله عز وجل لها هذه الحركات. ففي الجزائر ظهرت حركة الشيخ عبد الحميد بن باديس التي كان يطلق عليها (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) والتي أصبحت كأنها دولة داخل دولة حيث مارست كافة النشاطات من دعوة وتعليم واجتماع واقتصاد وسياسة. وظهر في مصر حركة الإخوان المسلمين التي وصلت الى درجة عالية من التنظيم والدقة وشملت نشاطاتها كل أوجه الحياة حتى كاد الشيخ البنا رحمه الله يدخل الانتخابات.
وجاء الاستقلال ظاهرياً حيث تأكد الاحتلال الأجنبي أن لا يسلم الأمور حين خروجه إلاّ الى فئة ترعى مصالحه وتحارب الحركات الإسلامية، بل إن الغرب كما يقول الأستاذ محمد قطب قام بعملية ما يسمى ب (صناعة الزعيم) حيث اختار بعض من تثقف ثقافة غربية وقام بمسلسلات النفي والسجن لهؤلاء أو الخطف من الجو ثم أعادهم لتنظر إليهم الجماهير على أنهم الأبطال المحررون فيتبعوهم.
ومن الصعب على الجهد الفردي متابعة كل ما يصدر في الغرب من كتابات حول الحركات الإسلامية فالندوات والمؤتمرات والإصدارات والكتابات الصحافية في الغرب حول الحركة الإسلامية لا تنتهي، بلغن نشرات الأخبار في وسائل الإعلام الغربية لا تكاد تخلو في يوم من الأيام من خبر أو تعليق أو مقابلة أو برنامج عن الحركات الإسلامية ويطلق عليهم شتى النعوت من مثل المتطرفين الإسلاميين أن المتشددين أو المشتبه أنهم من المتطرفين. فواعجباه كم نالت الحركات الإسلامية من الأسماء. وقد قالت العرب إن كثرة الأسماء من عظمة المسمى.
ويهمني في هذا الإيجاز أن أتناول بعض النماذج من رصد الغربيين للحركات الإسلامية (الأصولية):
أولاً: محاضر جلسات الكونجرس الأمريكي: لقد استضاف الكونجرس الأمريكي على مدي ثلاثة أيام من سنة 1985 عدداً من الباحثين الأكاديميين من الجامعات الأمريكية لتقديم شهاداتهم أو رؤيتهم للحركات الإسلامية في العالم الإسلامي واستعرض الكونجرس بعض الدراسات لباحثين لم يتمكنوا من الحضور. وجمعت محاضر هذه الجلسات في كتاب بلغ عدد صفحاته اثنتين وأربعين وأربعمئة. وقد قام الدكتور أحمد خضر إبراهيم بترجمة جزء كبير من هذه المحاضر ونشرها على مدى خمسين حلقة في مجلة المجتمع قبل حرب الخليج الثانية. والمحاضر في لغتها الأصلية موجودة لدى مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
ثانيا: كتاب الأصولية في العالم العربي، تأليف ريتشارد هرير دكمجيان وترجمة الدكتور عبد الوارث سعيد ونشر دار الوفاء بالمنصورة(مصر)سنة1409. والكتاب عمل مخابراتي في المقام الأول حيث يرصد نشاطات اثنتين وتسعين جماعة إسلامية في العالم العربي من خلال منشوراتها العلنية والسرية ومن خلال المقابلات الشخصية مع طائفة من المنتسبين الى هذه الجماعات. ويشهد الواقع أن الباحث كان دقيقاً في كثير من المعلومات التي ضمها الكتاب، غير أن الكاتب بحكم خلفيته الغربية وأصله الأرمني انحرف في فهم بعض القضايا التي تتعلق بالصحوة. والكتاب في مجمله يستحق القراءة العميقة لأنه يقدم توصيات للحكومات الغربية وللحكومات العربية الإسلامية التي تسير في ركاب الغرب حول كيفية التعامل مع الحركات الإسلامية.
وقد صدرت في عام 1995 طبعة ثانية من الكتاب أضاف إليها المؤلف دراسات لعدد أكبر من الجماعات الإسلامية وصل إلى مائة وثماني جماعات، ومن الملاحظ أنه المؤلف تلقى الدعم من الحكومة الأمريكية في دراسته في الطبعة الأولى وربما في الطبعة الثانية أيضاً. ويلاحظ أنه اهتم فقط بالجماعات التي تبدي معارضة للحكومات الإسلامية أما النشاطات الإسلامية والدعوة إلى العودة إلى الإسلام التي تعمل ضمن الأنظمة القائمة فلم يعر لها أي اهتمام.
ثالثا: المركز الأكاديمي الإسرائيلي للبحوث:
يذكر الدكتور أحمد عبد الحميد غراب أن هذا المركز قد أنشئ عام 1982 في القاهرة بناءً على مقررات معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. ويهدف المركز الى تسهيل مهمة الباحثين اليهود للقيام بجمع المعلومات في مصر والاتصالات بالجامعات المصرية، كما يقوم المركز باستقطاب بعض الباحثين من مصريين وغيرهم لتقديم بحوثهم المتصلة بالمجتمعات العربية الإسلامية ويغدق عليهم من الأموال ما يغري ذوي النفوس الضعيفة للتعاون معه. ويقوم المركز بعقد ندوات أسبوعية وإصدارات نشرات تهدف إلى إثارة انبهار المسلمين بالتقدم العلمي والتقني في إسرائيل.
رابعا: المخابرات المركزية الأمريكية.
قبل أكثر من عشر سنوات كانت جامعة هارفارد تنوي عقد ندوة عن الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي، وقبل بدء الندوة اكتشف أن المخابرات المركزية الأمريكية كانت ممولاً لهذه الندوة مما دعا الجامعة لإلغاء الندوة وفصل الأستاذ الجامعي الذي كان السبب في قبول هذا التمويل. وفي عام 1995 تنشر الشرق الأوسط على صدر صفحاتها نبأ دعوة المخابرات المركزية الأمريكية لعدد من أساتذة الجامعات لتقديم رؤيتهم لموضع الصحوة الإسلامية (الأصولية). وقد انقسم الموقف بين أن تعامل الصحوة في جميع البلاد الإسلامية معاملة واحدة أو تعامل تلك الحركات التي تدعو الى العنف معاملة مختلفة عما تعامل به الحركات السلمية.
ولا بد أن نضيف أن مراكز البحوث والدراسات القائمة حالياً في إسرائيل تشارك في الاهتمام بالحركات الإسلامية ويقوم الباحثون اليهود بالتعاون مع الجامعات ومراكز البحوث الأوروبية والأمريكية فيشاركون في المؤتمرات والندوات والتدريس، كما يقوم الباحثون والعلماء اليهود بالاتصال بوزارات الخارجية الأوروبية والأمريكية. ومن أبرز المراكز اليهود مركز موشي ديان لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تل أبيب الذي يرأسه مارتن كريمر وهو أحد تلاميذ المستشرق اليهودي الأمريكي برنارد لويس.
الثقافة والأدب:
أصدر الدكتور محمد عمارة قبل سنوات كتاباً بعنوان: (الغزو الفكري وهم أم حقيقة) تناول فيه الرد على مقولة أن الغزو الفكري وهم، وأن العالم أصبح قرية كبيرة ولا يمكن لأحد أن يعيش في عزلة عن العالم أو أن يحمي نفسه من تأثير الحضارة الغربية السائدة والمسيطرة والمهيمنة على العالم. وما على العالم الاّ فتح أبوابه ونوافذه للفكر الغربي. بينما يرى آخرون أن من الممكن للشعوب أن تحافظ على هويتها وكيانها وذاتيتها من الذوبان في الغرب. ومن الكتاب السعوديين الذين ينفون وجود غزو فكري سعيد السريحي كما جاء في كتاب الشيخ عوض القرني: الحداثة في ميزان الإسلام
ويرد الدكتور عمارة بأن الغرب يسيطر عليه فكرة الهيمنة والسيطرة، وأنه لا يعترف لغيره بحق الوجود والتفكير. وقدم أدلة قوية من تاريخ الغرب منذ حروبه في شمال أوروبا التي كان ينظر إليها على أنها قبائل متوحشة ففرضت النصرانية على هذه الشعوب. وقدم دليلاً آخر وهو الحروب الدينية التي اشتعلت في أوروبا بعد ظهرت موجة الإصلاح الديني بقيادة مارتن، لوثر وزفنجلي وكالفن. كما انتشرت محاكم التفتيش في أوروبا ضد كل من يتهم بحرية التفكير وكان من أسهل الأمور اتهام الشخص بأنه خرج على الكنيسة.
ولما بدأت الحملات الاستعمارية كان يقف خلفها نظرية تفوق الرجل الأبيض الأوروبي صاحب رسالة تحضير الشعوب الأخرى. وهم في الحقيقة لم يقوموا بأي عمل تقدمي بقدر ما كان يدفعهم الطمع في ثروات الأمم الأخرى وفتح أسواق للبضائع الأوروبية وفي الوقت نفسه توفير أماكن لاستيطان الأوروبيين. بل كان من أهدافهم التخلص من بعض المجرمين بإرسالهم الى مستعمراتهم في العالم الجديد وفي استراليا.
وقد اتخذ الغزو الفكري صوراً عديدة منها الغزو الثقافي ومن العجيب أن الأب جورج قنواتي صرّح بأنه ” لا يوجد شيء اسمه الغزو الثقافي وان هذا الغزو إنما هو أسطورة كبرى وخرافة ولا أساس له 00 ولا خطر على ثقافتنا، ولا خوف على شخصيتنا، ويضيف أن الدعوة الى محاربة الغزو الثقافي دعوة باطلة. وناتجة عن مركبات النقص والخوف.”(الشرقاوي ص 184)
وقد بلغ من بعض الأدباء والمفكرين العرب الانخداع بالغزو الثقافي ان دعا طه حسين إلى الارتماء في أحضان الغرب وأخذ الحضارة الغربية بكاملها إن خيراً فخير وإن شراً فشر وأن نأخذها حلوها ومرها. وقد مكّن الاستعمار الغربي له ولأمثاله فتولى رئاسة الجامعة المصرية ووزارة المعارف وتولى صديقه ومن على شاكلته مناصب خطيرة مثله. ولعل من خير من تناول أثر الاستشراق في مجال الأدب الأستاذ محمود شاكر في كتابه القيم رسالة في الطريق الى ثقافتنا حيث ركز على ما أسماه ” إفساد الذائقة الأدبية” وقد عانى الكتاب الأصيلون معاناة عجيبة في هذا العهد.
وثمة إفساد حديث قد وقع بعد صدور كتاب الأستاذ شاكر هو ما يسمى: تيار “الحداثة ” التي تدعو الى تحطيم السائد والموروث والخروج على القيم الإسلامية ليس في الأدب وحده بل في جميع مجالات الحياة، فهم لا يرون أن للإسلام الحق في أن يحكم الحياة. وكان مظهر الحداثة متمثلاً في الخروج على أوزان الشعر العربي وعلى القافية. ولكن هذا مظهر فقط وإلاّ فالحقيقة هي الرغبة في التمرد على كل القيم الإسلامية.
سابعاً: مراكز الدراسات الاستشراقية (*(
تحتاج الكتابة حول المراكز الاستشراقية جهداً ووقتا ذلك أن المطلوب رصد نشاطات عشرات الألوف من الباحثين الغربيين والمسلمين لمئات من السنين. ولكن هذا المبحث الموجز يهدف الى إعطاء فكرة سريعة عن أبرز المراكز الاستشراقية توضح بعض الملامح الأساسية لها، وتدعو إلى مزيد من الدراسة.
إيطاليا
لا بد من البدء في إيطاليا ذلك أنها مهد الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا، فقد كان الباباوات هم الذين وجهوا الى دراسة اللغة العربية ومن هنا صدر القرار البابوي بإنشاء ستة كراسٍ لتعليم اللغة العربية في باريس ونابولي وصالونيك وغيرها. وقد تعاون مجموعة من نصارى الشام مع الكنيسة الكاثوليكية لنشر الديانة الكاثوليكية في المشرق. وقد بدأ هذا التعاون باتحاد الكنيستين المارونية والكاثوليكية عام 1575م.وقام المارونيون بترجمة العديد من كتب اللاهوت الى اللغة العربية
واستمر اهتمام إيطاليا بالعالم الإسلامي وظهر مستشرقون في المجالات المختلفة ومن هؤلاء على سبيل المثال المستشرق الأمير كإتياني الذي أصدر مؤلفه الكبير حوليات الإسلام. ومنهم أيضا المستشرق كارلو نيللو الذي درّس الفلك والأدب في جامعة القاهرة. (يراجع نجيب العقيقي في كتابه المستشرقون، الجزء الأول)
هولندا:
أحب أن أذكر هنا أن كتاب الدكتور قاسم السامرائي (الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية) يعد مرجعاً مهماً في دراسة الاستشراق الهولندي الذي رجع بدوره الى عدة مراجع باللغة الهولندية حول هذا الاستشراق بالإضافة الى إقامته مدة طويلة هناك وعمله في جامعة لايدن ومؤسسة برل Brill. فقد ذكر الدكتور السامرائي أن الاستشراق الهولندي لا يختلف عن الاستشراق الأوروبي في أنه انطلق مدفوعاً بالروح التنصيرية، وأن هولندا كانت تدور في الفلك البابوي الكاثوليكي(ص103)
وقد اهتم المستشرقون الهولنديون باللغة العربية ومعاجمها كما اهتموا بتحقيق النصوص العربية. ومما يميز الاستشراق الهولندي وجود مؤسسة برل التي تولت طباعة الموسوعة الإسلامية ونشرها في طبعتيها الأولى والثانية. كما تقوم هذه المؤسسة بطباعة كثير من الكتب حول الإسلام والمسلمين.
ومن أبرز المستشرقين الهولنديين سنوك هورخرونيه الذي ادعى الإسلام وتسمى باسم الحاج عبد الغفار، وذهب الى مكة المكرمة ومكث ستة أشهر حتى طردته السلطات من هناك، فرحل الى إندونيسيا ليعمل مع السلطات الهولندية المحتلة لتدعيم الاحتلال في ذلك البلد الإسلامي. ومن أعلام الاستشراق الهولندي أيضا: دي خويه (ت1909) وفنسنك صاحب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، وله كتاب في العقيدة الإسلامية، وكذلك المستشرق منسنك والمستشرق دوزي.
وذكر الدكتور السامرائي أن الاستشراق الهولندي شهد في السنوات الماضية ظهور تيار من المستشرقين الشباب الذين يميلون الى النظرة الموضوعية الى الإسلام وقضاياه وهذا مما أثار حنق وغضب المستشرقين الأكبر سناً. ولهولندا مركز للبحوث والدراسات العربية والإسلامية في مصر. وقد تولّت جامعة ليدن تنظيم مؤتمر عالمي حول الإسلام في القرن الواحد والعشرين في الفترة من 3-7 يونيو 1996 بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية الإندونيسية. وحضر المؤتمر مئة وعشرون باحثاً من أنحاء العالم. وقد بحث المؤتمرون أوضاع العالم الإسلامي في القرن القادم من خلال ثلاثة محاور: الإسلام والمجتمع الدولي، والإسلام والتنمية والإسلام والتعليم. وتقرر أن يعقد المؤتمر الثاني في إندونيسيا بعد سنتين كما دعا وزير الشؤون الدينية المغربي إلى استضافة المؤتمر الثالث في بلاده عام 2000.
فرنسا:
تعد المدرسة الفرنسية من أهم المدارس الاستشراقية وبخاصة منذ إنشاء (مدرسة اللغات الشرقية الحية) سنة 1795 والتي رأسها المستشرق المشهور سلفستر دي ساسي. وكان هذا المستشرق يعد عميد الاستشراق الأوروبي في النصف الأول من القرن التاسع عشر دون منافس. (السامرائي، الفهرس الوصفي للمنشورات الاستشراقية في جامعة الإمام ،1408، ص 15)
ويقول السامرائي (ص9) عن كتاب ساسي في قواعد اللغة العربية إنّه “قد لوّن الاستشراق الأوروبي بصبغة فرنسية.” أما اهتمامات دي ساسي فقد تنوعت حيث شملت اللغة العربية وآدابها والتاريخ والفرق والجغرافيا. وهي فترة كما يقول السامرائي افتقدت الى التخصص حيث كان المستشرق بمجرد دخوله هذا المجال يظن أنه يستطيع أن يكتب في كل ما يخص الإسلام والمسلمين. ولكن هذا النمط استمر كثيراً بعد هذه الفترة حتى يومنا هذا.
ونشط الاستشراق الفرنسي قبل الحملة الفرنسية على مصر وبعدها، فقد اصطحب نابليون معه عدداً كبيراً من العلماء في المجالات المختلفة ليحدث هزة انبهار لدى المسلمين وعلمائهم بالحضارة الغربية. وليزيد في دراسة أوضاع المجتمعات الإسلامية. وقد صدر عن هذه الحملة كتاباً ضخما بعنوان وصف مصر كما إن نفوذ الاستشراق الفرنسي استمر بعد وصول محمد علي سرششمة الى السلطة حيث بدأت البعثات العلمية في عهده وكانت تحت إشراف المستشرق الفرنسي جومار. وقد أرسلت تركيا وإيران والمغرب الأقصى بعثات مماثلة. ويقول الأستاذ محمد الصباغ في كتابه عن الابتعاث ومخاطره أن السبب في أن أولى البعثات العلمية قد توجهت الى فرنسا أنها كانت أول الدول الأوروبية التي اتخذت العلمانية منهج حياة، وان الفساد الأخلاقي كان ينتشر فيها أكثر من غيرها من الدول الأوروبية.
ويذكر المنوني في كتابه المهم يقظة المغرب العربي الحديث أن المشرف على البعثة المغربية كتب الى السلطات الفرنسية لتسمح للمبتعثين بالبقاء في فرنسا مدة من الزمن بعد انتهاء مهمتهم ليتشبعوا بالحضارة الفرنسية وعظمة فرنسا. ويقول المستشرق الإنجليزي برنارد لويس أن المعلمين الفرنسيين الذين بعثتهم فرنسا لتدريب الجيش التركي حملوا معهم كتبا مختارة في الأدب والفكر، كما إن الطلاب المبتعثين شُجّعوا على قراءة كتب الأدب والثقافة.
وكانت المحطة الثانية في الاستشراق الفرنسي احتلال الجزائر عام 1830 فوجدت شعباً يفوقها علماً وحضارة وتقدماً فعملت على تجهيله وإفقاره. فاستولت على الأوقاف وهدمت المساجد واستولت على الأراضي بالقوة أو بفرض ضريبة عالية لا يستطيع الجزائري دفعها فيضطر الى بيع أرضه مما أدى أيضا الى تحطم البنية الاجتماعية.
وأنشأ الاستشراق الفرنسي جامعة الجزائر عام 1880 مبتدئا بكلية الآداب، وكانت مركزا استشراقيا انطلق منه كثير من المستشرقين. ونهب الفرنسيون الوثائق التي تعود الى العهود السابقة، كما نهبوا عشية مغادرتهم البلاد ما تبقى من وثائق تخص فترة الاحتلال وذلك ليلزموا أبناء البلاد السفر الى فرنسا والإقامة فيها لدراسة تاريخ بلادهم.
وأنشأ الفرنسيون في العصر الحاضر الكثير من مراكز الدراسات الاستشراقية والأقسام العلمية في جامعاتهم ومنها جامعة السوربون في باريس وجامعة ليون وجامعة مارسيليا وجامعة اكس ان بروفانس وغيرها. ومن المراكز المهمة معهد دراسات المجتمعات المتوسطية، ومركز دراسات وبحوث العالم العربي والإسلامي بإكس. وتستضيف فرنسا حالياً عدداً من الباحثين المسلمين الذي انحرفوا عقديا وفكرياً وتهيئ لهم الفرص لبث فكرهم. ولا تكاد تفتح إحدى الصحف المهاجرة إلّا وتقرأ أسماء هؤلاء كأن العالم الإسلامي لم ينجب إلاّ المنحرفين.
بريطانيا
أنشئت أول أقسام اللغة العربية في الجامعات البريطانية في عامي 1632و1636 في جامعتي كمبردج وأكسفورد على التوالي. وكانت الدراسات العربية الإسلامية يغلب عليها الطابع الفردي. ولكن في هذه الأثناء كانت شركة الهند الشرقية تعمل جاهدة على اكمال احتلالها للهند ثم تسليمها للحكومة البريطانية. وقد قامت الشركة بإنشاء مراكز استشراقية في الهند لتدريب موظفين يستطيعون التعامل مع أهل البلاد. وانشئت كذلك جمعيات استشراقية مثل الجمعية البنغالية في أواخر القرن التاسع عشر.
انتشرت المراكز الاستشراقية في بريطانيا وظلت العاصمة لندن خالية من مثل هذا المركز حتى صرح اللورد كيرزن في إحدى جلسات البرلمان الإنجليزي بضرورة إنشاء مثل هذا المركز وانه من المكونات الضرورية للإمبراطورية. وتأسست مدرسة الدراسات الشرقية عام 1916، وانتقل إليه بعض المستشرقين الكبار من أمثال توماس أرنولد والفرد جيوم وغيرهما، واستمرت المدرسة في النمو والازدهار حتى أصبحت المركز الاستشراقي الأول في بريطانيا، بل تنافس أكبر المراكز الاستشراقية في العالم.
وكلفت الحكومة البريطانية لجنة لدراسة أوضاع الدراسات السلافية والأوروبية الشرقية والشرقية والأفريقية عام 1947. ووضعت اللجنة تقريراً بلغت صفحاته اثنتين وتسعين ومئة صفحة تتضمن توصيات مهمة منها زيادة دعم مراكز الدراسات الاستشراقية، وتوفير الكثير من الوظائف والمنح للدارسين، وحددت اللجنة الجهات المستفيدة من هذه الدراسات وهي: الحكومة البريطانية في المقام الأول، والبعثات التنصيرية، وهيئة الإذاعة البريطانية ووزارة التجارة والمؤسسات التجارية التي لها مصالح مع العالم الإسلامي.
واحتاجت الحكومة البريطانية إلى إعادة النظر في أوضاع الدراسات العربية والإسلامية بعد الحرب العالمية الثانية فكلفت لجنة برئاسة سير وليام هايتر عام 1961 للقيام بهذا العمل. وقدمت مؤسسة روكفللر دعماً مالياً لهذه اللجنة لزيارة عشر جامعات أمريكية وجامعتين كنديتين للإفادة من التجربة الأمريكية في مجال الدراسات العربية الإسلامية.
وقدمت اللجنة تقريرها في حوالي مئتي صفحة تضمنت خلاصة الرحلة الأمريكية ومقابلات مع المسؤولين عن الدراسات العربية الإسلامية في الجامعات البريطانية، وجاءت التوصيات من جديد لدعم هذه الدراسات والإفادة من الخبرة الأمريكية.
ولا بد من ذكر أن الاستشراق البريطاني لم يتخل يوما عن الأهداف السياسية حتى وإن ظهرت بعض الاهتمامات العلمية الخاصة وقد لاحظت ان هذه الصلة الوثيقة تمثلت في تكليف أحد أساتذة مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية عام 1954 وإلقاء محاضرات في حوالي عشرين جامعة أمريكية والاتصال بوسائل الإعلام المختلفة .ولم تذكر وثائق المدرسة طبيعة المحاضرات ولكنها لا تخرج عن الترويج للمواقف السياسية البريطانية تجاه قضايا العالم الإسلامي وبخاصة قضية فلسطين حيث كانت بريطانيا تعد للغزو الثلاثي عام 1956.
ويلاحظ أنه في بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية تجد النشاطات المخالفة للعقيدة الإسلامية ترويجا وتقديراً بحجة توفير منابر الرأي الحر، وقد رصدت لبعض الجمعيات الأدبية والفكرية نشاطاتها فوجدت أن أمثال نوال السعداوي ومحمد سعيد العشماوي هم الذين يمثلون البلاد الإسلامية مع أن الغرب يعلم أن هؤلاء يمثلون التمرد على المنهج الأصيل وليس لاتجاه الإسلامي الصحيح. ومن ذلك مثلاً أن الجمعية الملكية للعلاقات الدولية وهيئة الإذاعة البريطانية اشتركتا في عقد ندوات بعنوان:
(العلاقات العربية الأوروبية) فلم يدع لها إلاّ أصحاب الفكر المتغرب، وكأّن القوم لا يريدون أن يسمعوا إلاّ صدى آرائهم.
الولايات المتحدة الأمريكية:
نشأ الاستشراق في أوائل القرن التاسع عشر يغلب عليه الطابع الديني، ولكن مع عدم إغفال الأطماع السياسية. فكيف يكون لبريطانيا إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ولا يكون لأمريكا اهتمامات إمبريالية. واشترك الهدفان وتأسست الجمعية الشرقية عام 1840 وأرسلت باحثيها الى العالم العربي الإسلامي. وحرصت بعض الجامعات الأمريكية أن تنال نصيبها من المخطوطات الإسلامية فاشترت جامعة برنستون Princeton كمية من المخطوطات حتى أصبحت تضم ثاني أكبر مجموعة مخطوطات إسلامية.
ونشطت البعثات التنصيرية الى بلاد الشام فأسست المدارس والمعاهد العلمية، وفي أواخر القرن التاسع عشر وفي عام 1889م(1307هه) وصلت الى البصرة طلائع البعثة العربية (سميت كذلك تمويها) وكانت برئاسة المنصّر المشهور صموئيل زويمر. واستمرت هذه البعثة حتى عام 1393(1973).
وشهد الاستشراق الأمريكي نهضة شاملة بعد منتصف القرن العشرين حينما أخلت بريطانيا مواقعها للنفوذ الأمريكي كما ذكر ذلك مايلز كوبلاند في كتابه لعبة الأمم، ووجد الأمريكيون أنهم بحاجة الى عدد كبير من المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط؛ فأصدرت الحكومة الأمريكية مرسوما (1952) خصص بموجبة مبالغ كبيرة لتشجيع الجامعات على افتتاح أقسام الدراسات العربية الإسلامية. واستقدم لذلك خبراء في هذا المجال من الجامعات الأوروبية. وحضر من بريطانيا كل من جوستاف فون جرونباوم وهاملتون جب وبرنارد لويس وغيرهم، فأسس هاملتون جب مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد وجرونباوم أسس مركزاً في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس.
وقد طوّرت الدراسات العربية الإسلامية في الولايات المتحدة لتأخذ مفهوماً جديداً وشكلاً جديداً فقد انتهى الى حد كبير عهد المستشرق الذي يزعم لنفسه معرفة كل ما يخص العالم العربي الإسلامي في جميع المجالات. فأخذت الدراسات تصبح أكثر دقة وتخصصا في منطقة معينة وفي فرع من فروع المعرفة. وقد فتح هذا التجديد المجال أمام التخصصات المختلفة لتسهم في تطور الدراسات العربية الإسلامية بحيث تكون بعض الرسائل العلمية للماجستير والدكتوراه تحت إشراف أكثر من قسم علمي.
ولم تقتصر الدراسات العربية الإسلامية على الأقسام العلمية في الجامعات بل انضم إليها عدد كبير من مراكز البحوث التابعة لمؤسسات بحثية واستخبارية لها مصالح في المناطق موضع الدراسة. ومن هذه المؤسسات: كارنجي وفورد وراند وروكفللر، وغيرها كثير. ويلاحظ أن الحكومة الأمريكية تعتمد كثيراً في اتخاذ قراراتها على نتائج البحوث التي تجريها هذه المراكز. فقد كلف سلاح الجو الأمريكي مؤسسة راند بإجراء بحث عن علاقة تركيا بالغرب. كما تقوم لجان الكونجرس المختلفة وبخاصة لجنة الشؤون الخارجية بدعوة بعض أساتذة الجامعات لإلقاء محاضرات على أعضاء اللجان أو تقديم شهاداتهم حول قضايا معينة.
وكما ذكر عن الاستشراقين الهولندي والألماني بوجود أصوات معتدلة فإنه ظهر في الولايات المتحدة عدد من الباحثين ينادون بوقف التشويه المتعمد لصورة الإسلام والمسلمين في الإعلام الأمريكي أو في الكتابات الأكاديمية ومن هؤلاء مثلا اسبوزيتو. كما يلاحظ أن بعض من يتعاطف مع العالم الإسلامي أدرك خطل الإسراف الأمريكي في تأييد المصالح اليهودية وتقديمها حتى على مصالح الولايات المتحدة. ومع تقديرنا لكل من يتحدث عن الإسلام بإيجابية فينبغي أن نظل على حذر. كما إنه يتوجب على المسلمين أن يحرصوا على أن يكون لهم وجود في خارطة الإعلام الغربي.
ألمانيا:
اهتم الباحثون الألمان بالدراسات العربية الإسلامية منذ عهد مبكر فقد ثبت أن مارتن لوثر كان من الذين تأثروا بالفكر الإسلامي حينما تمرد على الكنيسة الكاثوليكية في روما. ولكن موقف لوثر كان عدائيا جداً من الإسلام وبخاصة الدولة العثمانية. وقد تميز المستشرقون الألمان بالجدية في البحث حتى اصطبغت الدراسات الإسلامية في أوروبا في وقت من الأوقات بالصبغة الألمانية. ويقول في ذلك الدكتور السامرائي (الفهرس الوصفي، ص 17):” ومع كل هذا فإن المدرسة الألمانية وحدها أظهرت اهتماما علميا جادا بالإسلام في وقت مبكر عن غيرها من المدارس الاستشراقية الأوروبية… وذكر أمثلة على هذا الاهتمام بالمخطوطات وبالتاريخ الإسلامي حيث ظهر كتاب مغازي الواقدي وبدأ تحقيق كتاب الطبري. وظهرت جهود بروكلمان في كتابه (تاريخ الأدب العربي)
وما زال الاستشراق الألماني مزدهراً في العديد من الجامعات. وقد لحق الاستشراق الألماني غيره في الاهتمام بالقضايا المعاصرة فقد قدم المستشرق رينهارد شولتز محاضرة في شهر سبتمبر 1986 في جامعة برنستون بالولايات المتحدة بعنوان “الإسلام السياسي في القرن العشرين” وكما هو الحال مع المستشرقين الهولنديين الشباب الذي أخذوا خطاً جديدا يتسم بالموضوعية والعلمية فيذكر الدكتور السيد الشاهد أن هناك بعض الباحثين الألمان الذين كتبوا عن الإسلام بموضوعية وتجرد، ودعا الدكتور الشاهد الى إجراء الحوار مع هؤلاء للإفادة من مواقفهم المعتدلة.
إسبانيا
نشأ الاستشراق الإسباني في أحضان حركة عدائية لكل ما هو عربي ومسلم، وكان هدفها التحقير والانتقام والتشويه. وقد وصف المستعرب الإسباني خوان غويتسولو في كتابه في الاستشراق الإسباني (ص156) نماذجاً من هذا النوع حين يكتبون عن الإسلام والمسلمين بقوله إنهم ” إنما يكتبون ويتصرفون وينطقون باسم المسيحية في مواجهة حضارة متدنية ، وفي أفضل الأحوال، فإن استحضار الماضي المجيد الذي عرفه العالم الإسلامي يدفعهم الى التفجع على نحو متحذلق على الانحطاط الحالي(انحطاطا كان في رأيهم محتما ولا مناص منه) وعلى عجزه الطبيعي عن هضم التقدم الأوروبي “ووصف غويتسولو دراسات المستشرقين الإسبان للغات الإسلامية بأنهم يدرسونها كما لو كانت ” لغات حضارات منقرضة، ومقطوعة عن اللغات الحالية التي هي وريثها الشرعي ،حاكمين عليها بذلك بأن تشكل عدماً أو ما هو أقل من العدم.”
واختلط الدافع الديني الحاقد بدافع استعماري سياسي حينما بدأت حركات الاحتلال الأوروبي للعالم الإسلامي وطمعت إسبانيا في المناطق المجاورة لها فجندت مستشرقيها لإعداد الدراسات لمعرفة” مواصفات السكان وطبائعهم وتجارتهم وزراعتهم، وكذلك معرفة اللغات واللهجات المحلية. وقد أنشأت الحكومة الاسبانية العديد من المراكز لتعليم العربية العامية والمغربية، وقد تجاوزت خمسين مدرسة.
وما تزال إسبانيا تحتفظ بالكثير من المخطوطات العربية في مكتباتها الكبرى كمكتبة الاسكوريال ومكتبة مدريد الوطنية، ومكتبة جمعية الأبحاث الوطنية.
المراكز الاستشراقية في العالم الإسلامي.
حرص الأوروبيون والأمريكيون على إنشاء مراكز للدراسات العربية والإسلامية في العالم الإسلامي لتكون أقرب الى هذه البلاد ويستخدمها الطلاب والباحثون الغربيون كمراكز للبحث والدراسة ولتعلم اللغات الإسلامية، ولنشر الثقافة الغربية. وقد بدأ الغرب في إنشاء هذه المراكز منذ القرن التاسع عشر حيث أنشأت البعثات التنصيرية الغربية الكليات والجامعات ومراكز البحوث وفيما يلي بعضها:
فرنسا
1-المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة(1880)
2-معهد الدراسات العليا في تونس (1945)
3-معهد الدراسات المغربية – الرباط (1931)
4-المعهد الفرنسي في دمشق (1930)
ويتبع السفارات الفرنسية في أنحاء العالم مراكز ثقافية تقدم دورات في اللغة الفرنسية والحضارة الفرنسية، كما تقدم معلومات عن فرنسا.
بريطانيا
1-مركز الدراسات العربية في الشرق الأوسط. شملان بلبنان
2-كلية دلهي (1792-187)
2-كلية فورت-وليام ب كلكتا بالهند (1799-1836)
3-كلية الملكة فيكتوريا وهي مدرسة ثانوية بمصر ودرس بها كثير من أبناء الطبقة الثرية في أنحاء العالم العربي، والتعليم فيها باللغة الانجليزية.
وللسفارة البريطانية في كل بلد مركز ثقافي يتبع المجلس الثقافي البريطاني ويقدم دورات في تعليم اللغة الانجليزية، ولديهم مكتبة يقضي فيها الشباب أوقات فراغهم، ولا بد انهم يحتكون ببعض الانجليز العاملين في هذه المراكز.
معهد الدراسات المغربية في تطوان.
الولايات المتحدة الأمريكية:
1-الجامعة الأمريكية -بيروت
2-الجامعة الأمريكية-القاهرة
3-الكلية الأمريكية ببيروت -وهي مدرسة ثانوية درس فيها بعض كبار المسؤولين في العالم العربي.
4-جامعة الشرق الأوسط بإسطنبول بتركيا
5-مدرسة الدراسات الشرقية الأمريكية بالقدس
6-المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية ببغداد.
7-معهد الدراسات اليمنية في صنعاء باليمن.
ولأمريكا معاهد لتعليم اللغة العربية لموظفي سفاراتها في العالم العربي في كل من تونس وفاس بالمغرب.
واليمن وكذلك لإجراء البحوث والدراسات على المجتمعات العربية الإسلامية.
مراجع مختارة عن الاستشراق باللغة العربية
1- قاسم السامرائي ، الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية، الرياض: دار الرفاعي للنشر، 1403.
2-…… الفهرس الوصفي للمنشورات الاستشراقية المحفوظة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
3-أحمد عبد الحميد غراب. رؤية إسلامية للاستشراق، ط2 بيرمنجهام: المنتدى الاسلامي 1413
4-محمود حمدي زقزوق. الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري. (كتاب الأمة)
5-عبد اللطيف طيباوي. المستشرقون الناطقون باللغة الانجليزية، ترجمة قاسم السامرائي. الرياض: جامعة الامام محمد بن سعود 1411.
6-محمد البهي، الفكر الاسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، القاهرة: مكتبة وهبة
7-أنو الجندي، سموم الاستشراق والمستشرقين في العلوم الاسلامية.
8-احمد محمد جمال، مفتريات على الاسلام، مكة المكرمة: رابطة العالم الاسلامي، ط4.
9-عماد الدين خليل، قالوا عن الاسلام، الرياض: الندوة العالمية للشباب الاسلامي،
10-ادوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة كمال أبو ديب، (ترجمة سيئة حداثية)
11-نجيب العقيقي، المستشرقون، ثلاثة أجزاء (تراجم للمستشرقين، والمدارس الاستشراقية)
12-عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، مجلد واحد، بيروت: دار العلم للملايين.
13-مجموعة من العلماء، الاسلام والمستشرقون، جدة: عالم المعرفة 1405. ندوة عقدت في الهند شارك فيها عدد من العلماء ببحوث قيمة حول الاستشراق.
14-مجموعة من العلماء، مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الاسلامية. الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج، جزآن.
15-ميشال جحا، الدراسات العربية والاسلامية في أوروبا، بيروت: معهد الانماء العربي.
16-محمود المقداد، تاريخ الدراسات العربية في فرنسا. سلسلة عالم المعرفة:167 الكويت.
17-محمود حمدي زقزوق، الاسلام في الفكر الغربي. الكويت: دار القلم.
18-نجم عبد الرحمن خلف، نقد المتن بين صناعة المحدثين ومطاعن المستشرقين. الرياض.
19-عبد الحميد متولي، الاسلام وموقف علماء المستشرقين، جدة: دار عكاظ.
20-عبد القادر طاش. الصورة النمطية للإسلام في مرآة الإعلام الغربي،
21-هشام جعيط، أوروبا والإسلام. بيروت: دار الحقيقة.
22-سلسلة الثقافة المقارنة، الاستشراق 1و2 و3، وزارة الثقافة العراقية.
23-أحمد خضر إبراهيم، “الاسلام والكونجرس”، في حلقات زادت على الخمسين في مجلة المجتمع الكويتية في الفترة من 20/9/1409(25/2/1989) وما بعد.
24-ريتشارد دكمجيان. الأصولية في العالم العربي. ترجمة عبد الوارث سعيد. المنصورة: دار الوفاء، 1409.
25-عدد خاص من مجلة عالم الكتب، م 5عدد 1 رجب 1404، أبريل 1984.
26-محمد محمد الدهان، قوى الشر المتحالفة، الاستشراق، التبشير، والاستعمار
27-احمد سمايلوفيتش، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي.
28-عابد السفياني، المستشرقون ومن تابعهم وموقفهم من ثبات الشريعة وشمولها دراسة وتطبيقا، مكة المكرمة: مكتبة المنارة، 1408.
29-ريتشاردسون سوذرن، صورة الاسلام في اوروبا في القرون الوسطى، ترجمة رضوان السيد. معهد الانماء العربي،1984.
30-علي ابراهيم النملة، الاستشراق في الأدبيات العربية، الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.1413.
31-ساسي سالم الحاج، الظاهرة الاستشراقية، مالطا: مركز دراسات العالم الإسلامي، مجلدان في أربعة أجزاء (وهو كتاب مهم جدا)
32-مصطفى السباعي. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، وهو كتاب مهم يناقش شبهات المستشرقين في مجال الحديث النبوي.
33- …. الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم، وقد قام السباعي رحمه الله تعالى بجولة في العديد من المراكز الاستشراقية وناقش كبار المستشرقين.
34-يوهان فوك. الدراسات العربية والاسلامية في أوروبا.
35-خوان غويتسولو . في الاستشراق الاسباني. (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
36-مازن مطبقاني. من آفاق الاستشراق الأمريكي المعاصر.
37-… المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق
38-…. الغرب في مواجهة الإسلام
39-== صراع الغرب مع الاسلام: استعراض للعداء التقليدي للإسلام في الغرب. تأليف آصف حسين (ترجمة من الإنجليزية.) (تحت الطبع) (طبعت طبعتان وثالثة مصورة في الجزائر)
40-== أصول التنصير في الخليج العربي. تأليف هـ. كونوي زيجلر (ترجمة عن الانجليزية) وهو كتاب عن البعثة الأمريكية التنصيرية في الخليج من 1889 حتى 1974.
41-الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي: دراسة تطبيقية على كتابات برنارد لويس (الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية 1415) وهو أول رسالة دكتوراه يمنحها قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة.
هذا وسوف نقدم أسماء مراجع أخرى في كل جزء من هذه الدورة بإذن الله تعالى.
Selected Bibliography.
Orientalism References in English
1-Mariam Jamila. Islam and Orientalism
2- ======. Islam and Modernism.
3- ======. Islam versus the West.
4- Asaf Hussain (et al). Orientalism, Islam and Islmists.
5- ==. Western Conflict with West.
6- Edward Said. Orientalism.
7-W.Cantwell Smith. Islam in Modern History.
8- John Esposito. (Editor) Voices of Islamic Resurgence.
9- R. H. Dekmejian. Islam in Revolution, Fundamentalism in the Arab World.
10- Alastair Hamilton. William Bidwell the Arabist (1563-1632).
ملحق (1)
مركز دراسات الإسلام والعلاقات النصرانية الإسلامية
بجامعة بيرمنجهام البريطانية
العددان 31و32 في مايو ونوفمبر 1994
أولاً: رحلة علمية الى بلغاريا
انتدب مركز دراسة الإسلام والعلاقات النصرانية الإسلامية أحد طلابه لقضاء شهر في بلغاريا. والهدف من هذه الرحلة دراسة العناصر التاريخية والاجتماعية والثقافية في العلاقات الإسلامية النصرانية فيها. وقد قام بتمويل هذه الرحلة كل من المركز الدولي لدراسة الأقليات والعلاقات بين الثقافات ومركز دراسات العلاقات الدولية في باريس وبرنامج الديموقراطية في الاتحاد الأوروبي. وقد وقع الاختيار على الطالب التركي علي كوسا الذي جاء من جامعة قيصرية بتركيا. وقد أمضى الباحث شهراً زار خلاله العديد من المدن والتجمعات التي تضم المسلمين والنصارى.
ثانياً: التعاون مع الأزهر
بعد الزيارة الإيجابية جداً للمفتي الأكبر لجمهورية مصر العربية، بدأ المركز في دراسة الطرق المناسبة للتعاون مع مصر. وقد كتب مدير المركز الى مدير جامعة الأزهر لعقد اتفاق يتم بموجبه بعث مندوب من الأزهر وأن يستقبل الأزهر الطلاب الباحثين من المركز. وسيقوم مدير المركز بزيارة لمصر في القريب العاجل لتوقيع الاتفاق في صيغته النهائية.
ثالثاً: العلاقات مع الأردن
دعي الدكتور جوجن نيلسون لتقديم بحث في اللقاء الخامس للحوار بين الأديان الذي يرعاه كل من الفاتيكان ومؤسسة آل البيت الأردنية بعنوان” الدين والقومية”. وقد كانت الزيارة فرصة لإرساء قواعد التعاون مع جامعة اليرموك في اربد.
وبدعم من السفير البريطاني في الأردن فإن المركز قد قام بالتعاون مع جامعة اليرموك بعقد ندوة في الفترة من 19-21 سبتمبر حول العلاقة بين الإسلام والغرب مع التركيز على العلاقات الإسلامية النصرانية. وقد شارك من المركز د. هيو جودارد ود. كريستوفر لامب ومدير المركز، كما شارك الدكتور زكي بدوي من الكلية الإسلامية بلندن. وقد عقدت الندوة برعاية ولي عهد الأردن وتلقت رسالة تأييد من ولي عهد بريطانيا الأمري تشارلز. وقد خصص اليوم الأول من الندوة للحديث عن حقوق الإنسان وألقى الدكتور احمد العناني محاضرة في هذا الموضوع.
رابعاً: الرسائل العلمية
أ-رسائل الدكتوراه
1-السيد سوهرين سوليهين (إندونيسيا): دراسات حول سيد قطب في ظلال القرآن.
2-عطا الله صديقي(بريطانيا) الاهتمامات الإسلامية في الحوار: دراسة للعلاقات الإسلامية النصرانية منذ عام 1970.
ب-الماجستير في الفلسفة
1-سار فراز مدني (بريطانيا دراسة عن الصوم في القرآن مع إشارة خاصة الى بعض الكتابات القديمة والمعاصرة باللغتين العربية والأردية.
2-القس إدوارد كاجيفورا (السودان) التفاعل بين القيم الإفريقية التقليدية والممارسات الإسلامية الدينية في عرب وجنوب السودان. ويلاحظ ان هذا القس قد أمضى ثلاثة أشهر في الجامعة العبرية في القدس، انتقل بعدها للعمل في كينيا في اتحاد الجمعيات الإنجيلية في معهد سينت بول اللاهوتي في ليمارو.
3-عطا الله عبد الله (ماليزيا) مفهوم التقليد والتلفيق مع إشارة خاصة للمدارس السنية الأربع.
4-جعفري أوانج (ماليزيا)علم اجتماع بسلامي في الدين: البحث في نظرية ابن خلدون.
5-القس جون أزوما (غانا) مفهوم الجهاد عند الأحمدية.
6-أمرا بون(بريطانيا)الإسلام وعقوبة الموت: إجابة ابي الكلام أزاد لقضية راجبال: توصيف وترجمة مع التقديم.
7-شعبان شودري (بريطانيا) معاملة المرأة: مقارنة بين معاملة المرأة في الطبقة المتوسطة في العهد الفيكتوري مع المرأة في الطبقة المتوسطة الباكستانية.
8-القس لورانس. إف فاسولا (نيجيريا) مفهوم الشريعة ومضامينها بخصوص الحوار النصراني الإسلامي في نيجيريا.
9-بادلي هشام بن محمد ناصر (ماليزيا) الدعوة الإسلامية: مدخل لمفهومها ومنهجها.
10-القس ناثان سامويني (غانا) الزواج الإسلامي التقليدي وبين الأديان المختلفة في غانا.
11-كولين شابمان (بريطانيا) تعليم النصراني حول الإسلام: دراسة في المنهجية.
دبلوم:
محمد خالد (بريطانيا) دراسة مقارنة لمفهوم الإسلام للأمة والمفهوم الإنجيلي للإكليسيا Ecclesia.
الإسلام والغرب:
1-عقد المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في روما ومعهد الدراسات العليا لآسيا وأفريقيا الحديثة في باريس دورة حول العلاقات بين الشرق والغرب وشارك فيها باحثون من جانبي المتوسط. وسيتم نشر البحوث في روما.
2-عقد مركز الدراسات المعاصرة (فرع اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا) مؤتمراً استمر يومين في باريس حول الإسلام وأوروبا، وكان المتحدثون من أوروبا والعالم العربي.
3-عقدت مؤسسة الملك بودوان في بروكسل -بلجيكيا مؤتمراً حول العلاقة بين الإسلام والغرب في الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر 1994. وقدم مدير مركز دراسة الإسلام والعلاقات الإسلامية النصرانية الدكتور نيلسون دراسة حول الإسلام والعلاقات الإسلامية النصرانية. وهي إحدى الورقات الرئيسة.
4-عقدت مؤسسة الحوارات العالمية في هولندا حلقة دراسية يومي 22-24 أكتوبر 1994 بعنوان ” الغرب والصحوة الإسلامية”. وشارك في هذه الحلقة الدراسية علماء من العالم الإسلامي وأوروبا.
حلقات دراسية -فصل الربيع 1994
1-مفسرو القرآن الكريم وتفسيره: مكة ونشر التعاليم الإسلامية. تي جونز
2-نهضة الإسماعيلية. إم روثفن
3-انعكاسات حول الإسلام في نيجيريا وماليزيا. د. اتش جودارد
4-مشروع الأطلس الإسلامي، د. فرحان نظامي.
5-تطوير عقيدة إسلامية في التربية. د. ام هولستد
6-الأوقاف ودولة الضمان الاجتماعي. د. ام دمبر
ثانيا: مركز الدراسات الشرق أوسطية بجامعة هارفارد
شهر أبريل 1995
— محاضرة بعنوان “وضع كتاب الجاحظ “البيان والتبيين” في سياقه. وقدم المحاضرة البروفيسور جيمس مونتجومري من جامعة أوسلو.
— محاضرة بعنوان:” أن تكون كاتب مسرحية في إسرائيل” قدمها يوسف بار يوسف -كاتب مسرحي من إسرائيل.
— محاضرة بعنوان:” حب غلام نصراني في أغنية لأبي نواس” يقدمها البروفيسور جيمس مونتجومري.
–حلقة دراسية بعنوان:” الديموقراطية الجزائرية في الجيش والإسلام ” يقدمها رشيد تلمساني (باحث في المعهد المغربي -الأوروبي بباريس.
— محاضرة في جامعة بوسطن بعنوان:” الإسلام السياسي تحد أم تهديد” للبروفيسور جون اسبوزيتو.
— العلاقات الإسلامية النصرانية: تطلعات للقرن الواحد والعشرين: ندوة في مركز التفاهم الإسلامي النصراني بجامعة جورج تاون بمدينة واشنطن، ومن موضوعات الندوة:
— النصوص والتقاليد
— المواجهات والقضايا العقدية
— العلاقات الإسلامية النصرانية في الغرب.
— قضايا حساسة
— إصلاح الدين للقرن الواحد والعشرين.
[1] – الاتقان في علوم القرآن
[2] – سورة الحجر آية 9
[3] – ساسي سالم الحاج. الظاهرة الاستشراقية.
[4] – عباس ارحيلة.”
[5] –
[6] -زينب عبد العزيز.
[7] –
* قمت بإعداد كتاب عن مراكز البحوث والمعاهد وأقسام الدراسات العربية والإسلامي في واشنطن العاصمة تعريفاً بهذه المراكز والمعاهد من حيث نشأتها وأهدافها والتعريف بالعاملين فيها وإنتاجها العلمي ونشاطاتها مع بعض التحليل لنماذج من نشاطات هذه المؤسسات وقد بلغت صفحات الكتاب مائتي صفحة تقريباً. وأرجو أن يطبع قريباً بإذن الله.